IMLebanon

خطاب التهنئة.. «بروفا» لـ«جنرال» صار رئيساً

عون: وصلنا إلى السلطة ولدينا خطط

خطاب التهنئة.. «بروفا» لـ«جنرال» صار رئيساً

«طلعة القصر» لم تعد حكراً على «الفراغ» وسابقاً على مواكب السياسيين وقاطني القصر وموظفيه ومستشاريه. من أول «دخوله» أراده الرئيس ميشال عون لقاء مباشراً مع «شعب صار أعظم»، كما وصفه البارحة. إنها «البروفا» الأولى.

لم يسبق أن خطرت الفكرة على بال أي من رؤساء جمهورية ما بعد الطائف. الأمر مفهوم لأمرين أساسيين: أيّ منهم لم تسبقه أعراس «النصر» قبل أن يحطّ في القصر، ولأن للجنرال «حكاية» خاصة مع الشارع ونبضه.

«حُلمنا»، الذي تحدّث عنه جبران باسيل في إحياء ذكرى 13 تشرين على مفرق القصر الجمهوري، «أن يقف ميشال عون على شرفة القصر الجمهوري ويهتف يا شعب لبنان العظيم»، تحقّق بالأمس، لكن مع تفصيل بسيط.

«الشرفة» لم تعد موجودة. صارت من التاريخ مع الركام الذي رفعته «شركة مقبل للتعهدات» حين أخذت على عاتقها إعادة ترميم القصر الذي دمّر الطيران السوري أجزاء كبيرة منه قبل دخول الجيش السوري إليه، والذي تمنّع عون أمس عن ذكره بالاسم في خطابه متحدّثاً عن «جنود غير لبنانيين اقتحموا قصر بعبدا».

القصر لم يعُد هو نفسه الذي عرفه «الجنرال عون» أو جمهوره الذي قدّم بأجياله الثلاثة مُستكشِفاً وباحثاً عن «جنرال» لم يُهزم بعد 26 عاماً. «بصمات» الياس الهراوي «العمرانية» حاضرة وقد طالت يومها الواجهة الاساسية للقصر، إضافة الى شبكة التمديدات الداخلية وأنظمة التبريد والتدفئة وتعديلات أساسية على الهيكلية تمّت صيانتها لاحقاً في عهود اميل لحود وميشال سليمان وفي فترة الشغور الرئاسي.

الشرفة، المزنّرة بالقناطر في الطابق العلوي استبدلت بمنصّة كبيرة ركّبت فوق نافورة المياه وفرشت بالسجاد الأحمر، لكي تمكّن الرئيس من مخاطبة من أتوا اليه من كل المناطق.

أما تظاهرات ما قبل 13 تشرين فـ«أرشِفت» على شكل صورتين عملاقتين على مدخل القصر بدتا متماهيتين مع الجموع المتقاطرة الى بعبدا.

هو لم يطلّ بعد الغيبة الطويلة من «ثكنة» قصر محصّن بالسواتر الترابية وبالعسكر. لم يعد يرتدي المرقّط وتقصّد تذكيرهم بذلك «تعوّدتوا تشوفوني بغير بدلة». تقصّد أيضاً استعادة «الكادر الاصلي» بكل رمزيته لشخصيات واكبته في المسيرة الصعبة وأبقت على وفائها له. الى يمينه ادغار معلوف (وزير الحكومة العسكرية) وحبيب فارس (مرافقه آنذاك) والعميد ميشال أبو رزق (قائد لواء الحرس الجمهوري آنذاك)، خلفه قائد لواء الحرس الجمهوري العميد سليم الفغالي الذي دشّن لتوّه أولى مهماته إلى جانب رئيس الجمهورية والى يمينه بيار رفول (منظّم المسيرات الشعبية الى بعبدا في تلك الحقبة) ونديم لطيف (مدير عام الأمن العام آنذاك).

مشهدية قادت الذاكرة بسلاسة لاسترجاع «أيام القصر». ولا مرة خذل هذا الجمهور «جنراله» لا عند العودة قبل 11 عاماً ولا في المناسبات الحزبية ولا حين يصدر أمر النزول إلى الشارع ولا حين استدعاه صيف العام الفائت الى تحت «شرفة الرابية» ليحكي عن «المظلومية المسيحية».. والتلاعب بصلاحيات الرئيس خوفاً من وصولنا إلى السلطة». هذا الرجل يأخذ جمهوره معه أينما ذهب فكيف حين يفتح لهم «طريق التهاني» إلى «بيت الشعب»؟

اللجنة المنظّمة لـ«يوم التهنئة الشعبية» كانت حاسمة في قرارها برفع العلم اللبناني فقط. القوى الأمنية كانت أكثر حزماً في تنفيذ الأوامر. لكن لا رقابة على القمصان والشارات والقبعات البرتقالية وشعارات من نوع «إذا أردتم اللعب بالنار فأبناء عون في الانتظار»!

ولأن طريق القصر فتحت للشعب، فلا بروتوكول ولا من يحزنون. عون نفسه ارتدى بزة رسمية من دون «كرافات» وألقى خطابه المرتجل «بالعربي الدارج».

حرس الرئيس يكادون يذوبون بالعجقة قرب المنصة. «بيت الشعب» يكاد يصدّق نفسه أنه فعلاً كذلك. أهل القصر يرحّبون بضيوفهم من سياسيين وغير سياسيين. العائلة كلها هنا. «بنات الجنرال» يغزلن بين الجموع فرحاً. يقبّلن الجميع ويرحّبن بهم في «بيتهم». يتحدثّن الى الإعلام عما قبل وعما بعد، لكن الأهمّ العهد الجديد «إنها مسؤوليتكم في حمايته».

جولة جبران باسيل، سيراً على الأقدام، من اول نزلة القصر حتى الباحة الخارجية استغرقت نحو ساعتين بسبب الحشود التي طوّقته.

جولة «الصهر» شامل روكز بين «ناس القصر» لم تكن أقل وهجاً، لا بل أكثر. «الجنرال» السابق يخطف الأضواء والـ «سلفي» والقبلات متخطياً بأشواط كل قيادات «التيار». الاثنان توجّها لاحقاً الى المقاعد المخصصة لضيوف القصر وللعائلة والأقارب.

عمليات التفتيش الدقيقة التي خضع لها القادمون إلى بعبدا عبر جهازي «سكانر» لم تدفع أحداً إلى التذمّر. حالات إغماء أصابت البعض. غير ذلك، الأغاني الحماسية تكفّلت بإبقاء الأمزجة «مسلطنة»، برغم أن كثيرين لم يتمكّنوا من الوصول في الوقت المحدد بسبب الازدحام وتابعوا الكلمة من خلال الشاشات العملاقة. بيار رفول، الذي عادة ما يجيّش الجموع، لم يُسمَع صوته. ترك الكلام للرئيس وحده ولهدير حناجر مَن صرخوا «الله.. لبنان.. عون وبس».

مَن قدموا ليهنّئوا ميشال عون بالرئاسة، بعد أن حَجَب الأخير هذا «الواجب» عن السياسيين، سمعوا منه تكملة لخطاب القسم لكن بلغة أكثر حزماً: «اي رأس لن يستطيع أن يخرق الدستور «من هلّق ورايح»، والفساد سيُستأصل وستعود البيئة نظيفة، مهما كلّف الأمر».

افتتح خطابه بكلمته السحرية «اعتدتم أن تروني في بزة اخرى، إلا أن الكلمة والفكر لم يتغيّرا، يا شعب لبنان العظيم».

لم يتطرّق عون الى ملف تأليف الحكومة ولا الى «الشركاء» في وصوله الى سدة الرئاسة الأولى، لكن «رسائله» كانت واضحة ومباشرة.

استذكار بداية للشهداء، وتذكير بأن «لعبة دولية كبيرة هي التي انتصرت علينا وسمحت للجنود غير اللبنانيين أن يقتحموا بلدنا».

وقال «عندما استلمت الحكومة كان لبنان عشرين قطعة، لبنان السوري، لبنان القواتي، ولبنان الاشتراكي والفلســطيني والأملي، لم نحارب اللبنانيين ولم يكن هدفنا الوصول الى السلطة».

الوطن المشرذم، أضاف عون، «استفاد الغريب منه كي يكمّل حربه علينا. لا أذكر الا الطائرات تحمي بعضها طبقة فوق طبقة، طيران غريب لا أريد أن أسمّي لأنه لم يعد لديّ الآن من سبب للتسمية».

وأكد عون أن «الظهرة من بعبدا لم تكن ذليلة، لقد خسرنا الحرب ولم نُسحق».

وفي جزء من كلامه عاد الرئيس «جنرالاً» يخاطب حصراً شارعه وتياره الذي بدأ مرحلة النضال السلمي بعد النضال المسلح، «واليوم سنبدأ مرحلة ثانية، مرحلة بناء الوطن. أسّسنا للتيار الوطني الحر الذي أصبح إرثكم أنتم، في جميع أنحاء العالم. لذلك في حال مسّت أي شعرة منكم، فسوف يهتز قلب كل بلدان العالم معكم».

وفيما أشار الى ان الوصول الى رئاسة الجمهورية ليس الهدف «بل بناء وطن قوي عبر تعزيز وحدته الوطنية»، تمسّك عون بأدبياته في مخاطبة جمهوره قبل انتخابه رئيساً معتبراً، استناداً الى قول الكاتب الراحل ميشال شيحا، «إن من يحاول السيطرة علــى طائفــة يحاول إلغاء لبنان»، مذكراً «بالتعاطي معنا بكيدية سياسية لعرقلة عملنا».

وأكد عون «وصلنا الى السلطة ولدينا خطط تنموية»، مشدداً على «أننا لن نكون مرهونين لأي بلد».