Site icon IMLebanon

وفد الكونغرس في بيروت: هذا ما يــريده…

 

 

في ظلّ ندرة الموفدين الدوليين والأممين الى لبنان، تبدو الوفود الاميركية في طليعة الزوار، على الرغم من الحديث عن فقدان الإستراتيجية الواضحة لواشنطن في المنطقة ولبنان، منذ وصول الرئيس جو بايدن الى البيت الابيض، بعد سقوط مشاريع عدة لم يتمكن سلفه دونالد ترامب من تنفيذها في ولاية واحدة. وعليه، طُرحت الأسئلة حول ما يمكن ان تكون عليه مهمّة وفد الكونغرس الذي وصل الى بيروت، وما الذي أراده منها؟

 

عدا عن الزيارات غير المُعلن عنها التي يقوم بها القادة العسكريون الاميركيون والوفود الأمنية والمخابراتية ومن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي، يظهر واضحاً انّ بيروت تحوّلت مقصداً للوفود الاميركية من مختلف القطاعات. وقبل ان تغادر مساعدة وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند بيروت في زيارتها الأولى لها في 12 من الشهر الماضي، وصل إليها في 19 منه رئيس الوفد الاميركي الجديد الى المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل لترسيم الحدود البحرية في الناقورة عاموس هوكشتاين، وأمس وصل وفد ثلاثي من أعضاء الكونغرس الاميركي في مهمّة استطلاعية تختلف في شكلها ومضمونها عن الزيارات السابقة لجهة الدور والمهمّة.

 

وقبل الدخول في تفاصيل الموضوع وتسليط الضوء على زيارة الوفد، لا بدّ من الإشارة الى انّ الفصل قائم في الولايات المتحدة الاميركية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهما على استعداد تام للمواجهة في اكثر من محطة اساسية وحيوية تتعلق بالقرارات الكبرى والمهمّة. فعلى الرغم من الاعتماد على نظام رئاسي يعطي الرئيس صلاحيات واسعة تترجمها قدرته على إصدار «القرارات التنفيذية» التي يمكنه اللجوء اليها في اي وقت وبلا حدود، فإنّ الكونغرس الاميركي حاضر ومستعد دائماً للمحاسبة والاستجواب، كما للسلطة القضائية من دور يمكن ان يصل الى إبطال أو تعديل قرارات الرئيس في بعض الولايات.

 

قد يكون من المفيد تسليط الضوء على هذه المعطيات لئلا يبني بعض اللبنانيين احياناً رهانات عدة على زيارات لموفدين أميركيين ووفود من مؤسسات اخرى، تفوق احياناً أو تستخف بحجمها وأهمية ودور الزائر والزوار وصلاحياتهم. ففي بيروت منذ الأمس، وفد من اعضاء الكونغرس الاميركي من بينهم إثنان من أصل لبناني هما داريل عيسى وداريل لحود وثالثهما دان كلدي، يرافقهم عدد من المساعدين والمستشارين بمواكبة من رئيس «مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان» ادوار غبريال وعدد من اعضائها.

 

وفي المعلومات التي رافقت تشكيل الوفد، انّ زيارته لبيروت غير رسمية، تهدف الى التثبت من صحة المعلومات التي نقلتها إليهم شخصيات لبنانية زارت الولايات المتحدة الاميركية في الفترة الماضية، والتي زرعت المخاوف من تقصير الإدارة الاميركية الديموقراطية، التي لم تتفهم بعد الى درجة عالية حجم المخاطر التي يتعرّض لها لبنان، في ظل التطورات الخطيرة التي عبرتها المنطقة وما زالت تعيش تداعياتها الكبيرة. فهي تتزامن مع مجموعة من الاستحقاقات الداخلية الناجمة عن مجموعة الأزمات المتعددة التي تهدّد مستقبل البلاد باحتمال وصولها الى مرحلة الشلل التام. وفي طليعتها تبقى الانتخابات النيابية وما يهدّدها من مشاريع يمكن ان تؤدي الى التشويش عليها على الأقل إن لم تحظ بالرقابة الدولية الدقيقة واللصيقة، في حال لم تصل بعض المشاريع الى تأجيلها، وربما الغائها، من دون القدرة على التمديد للمجلس الحالي، في إطار خطة يمكن ان تؤدي الى انسحاب الفوضى الدستورية الى مواقع اخرى.

 

لهذه الأسباب وأخرى لا يمكن التقليل من اهميتها، قرّر الوفد الحضور الى لبنان في زيارة غير رسمية، لإستطلاع الوضع ليس على المستوى الرسمي فحسب. ففي نية الوفد للمرة الأولى ان يلتقي ممثلين عن القوى التغييرية، وفق لائحة دقيقة وُضعت لتوسيع مروحة الخيارات امام الكونغرس الاميركي الذي يستعد لمقاربة الملفات الأكثر خطورة اقليمياً ودولياً، ولا سيما منها تلك التي تتصل بالسياسة الخارجية الأميركية على ابواب استئناف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة ومجموعة الدول (5+1) في فيينا، والمسألة الاسرائيلية ـ الفلسطينية. كما بالنسبة الى تلك المتصلة بالمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، والتي تنتظر ما يقترحه رئيس الوفد الاميركي عاموس هوكشتاين بعد زيارته الاخيرة لإسرائيل، وسط اعتقاد بأنّه سيحمل اقتراحات جديدة يمكن ان تفتح ثغرة في مسيرة المفاوضات التي لن تُمسّ في شكلها القائم منذ استئنافها في مقر القيادة الدولية في الناقورة مطلع العام وتجميد أعمالها في الخامس من ايار الماضي.

 

وفي نية اعضاء الوفد ما يوحي بأنّه، والى جانب الاهتمام بالاستحقاقات الدستورية في لبنان والحؤول دون التلاعب بمواعيدها، فهو حريص على متابعة التطورات المحيطة بها، وهم ليسوا بعيدين عن التوافق الدولي الذي رافق مساعي تشكيل الحكومة الجديدة وإنهاء حالة الشغور القائمة، وسيتابعون معالجة الأزمات الاقتصادية التي تسببت بها الجائحة النقدية التي ضربت لبنان وأدّت إلى وقف الإيفاء بديونه الخارجية لجهة سندات اليوروبوند. كما بالنسبة الى ازمة الطاقة التي استدعت ضغوطاً عربية استجرت تجاوباً اميركياً لتسهيل وصول الغاز المصري ومعه الكهرباء الاردنية الى لبنان. كما أنتجت تجميد بعض العقوبات الأميركية وفق «قانون قيصر» على سوريا للحدّ من حجم اللجوء الى حلول بديلة لا يمكن للبنان الاعتماد عليها أكثر من اشهر إن لم تكن أسابيع قليلة. عدا عن ارتباطها الى حدّ بعيد بأزمة المشتقات النفطية وحجم الغلاء الذي منع من ان تكون ومعها المستلزمات الطبية والادوية، في متناول عائلات لبنانية على أبواب موسم الشتاء ووجوه الحياة اللبنانية عموماً.

 

وانطلاقاً مما تقدّم، فقد أُعدّ للوفد برنامج حافل يبدأ اليوم بلقاء صباحي مع السفيرة الاميركية دوروثي شيا في مقر السفارة الاميركية، لإجراء إحاطة عامة بالظروف التي تتحكّم بالسياسة الاميركية المعتمدة في لبنان، وما يمكن أن تؤثر في واقع حياة اللبنانيين بمختلف وجوهها، والجهود المبذولة لترجمة التعليمات المعطاة لها في المجالات الانسانية والاجتماعية قبل السياسية والامنية. على ان يزور الوفد لاحقاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

 

وإن تعذّر على الوفد لقاء وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الذي اعتذر عن تحديد اي موعد له بسبب زيارته لموسكو، فإنّه سيلتقي وزير الداخلية بسام المولوي في لقاء خُصّص للبحث في التحضيرات الجارية للانتخابات النيابية وفي مجالات اخرى اجتماعية تتصل بمواجهة عدد من الأزمات الاجتماعية في مواجهة آفة المخدرات وتجارة الممنوعات وتهريبها، كما سيُخصّص جزءاً من الاجتماع للوقوف على حاجات قوى الامن الداخلي وخصوصاً الاجهزة المتخصصة في التعاطي مع الأزمات الاجتماعية والانسانية، كمثل الحال التي تعيشها السجون في لبنان ومكافحة المخدرات وتهريب الأشخاص والاتجار بالبشر والآفات الاجتماعية.

 

وفي محطة اخرى من الزيارة، سيلتقي الوفد قائد الجيش العماد جوزف عون للبحث في حاجات الجيش وبرامج التعاون المنفّذة في ما بينه وبين الولايات المتحدة الاميركية، قبل ان يخصّص الجزء الأهم منها مع القوى التغييرية الحزبية والسياسية المعارضة لمنظومة السلطة، والتي تستعد للانتخابات النيابية المقبلة، من اجل الوقوف على همومها ومخاوفها مما يجري قبل ولوجها، ومنها تلك التي تتصل بالإمكانات التي يمكن تسخيرها في المعركة الانتخابية، ولا سيما منها تلك المتصلة بالضغوط التي يمكن ممارستها على الناخبين بسبب سطوة السلاح او بسبب الإغراءات المالية على حساب خزينة الدولة ورشوة الموظفين في القطاع العام وبرامج البطاقات التمويلية المتعثرة على الرغم من الأزمة المالية التي تعانيها الدولة.