Site icon IMLebanon

ربط الرئاسة بالغير خطأ حضاري

يأتي عِيد مار مارون هذا العامِ وفي قُلُوبِ اللُّبنانيِّينَ غَصَّةٌ وفي نُفُوسِهِم قلقٌ لِعَدمِ التَّمكُّنِ من انتخابِ رئيسٍ جديدٍ لِلجمهوريَّةِ وَبَقاءِ كُرسيِّ الرِّئاسةِ شاغِرًا منذُ ما يُقارِبُ التِّسعةَ أشهرٍ إلى الآن. هذا فيما نَرفُضُ جميعًا، أن يَبقَى الجسمُ الوطنيُّ بلا رأسٍ والمُؤسَّسَاتُ الدُّستوريَّةُ في وَضعٍ استثنائيٍّ لا يُمكنُ أن يَحتملَ أيَّ تَطبيعٍ. وما يزيدُ في هذه الغَصَّةِ المُقلِقَةِ هُو سُقُوطُ المَزيدِ من الشُّهداءِ من أخوتِنا ومن أبنائِنا، مع استمرارِ خَطفِ العَسكريِّينَ من جَيشِنا الوَطنيِّ الباسِلِ وَوَضعِ حياتِهِم في مَوضعِ الخَطرِ المُمِيتِ.

وإذا ما نَظَرنا إلى الشَّرقِ الحَزينِ من حَولِنا، وإلى تَخبُّطِ أبنائِهِ وَسطَ محنةٍ قوميَّةٍ وإنسانيَّةٍ لا تُوصَفُ، فإنَّ لنا الرَّجاءَ بأن يُفتَحَ أَمامَنا بابُ الخلاصِ.

لكنَّنا نَطرحُ هُنا سؤالاً أمامَ الضَّمائرِ والعُقُولِ: كيف يُمكِنُ أن يُربَطَ مَصيرُ لبنان بِمَصيرِ غَيرِهِ في الشَّرقِ الأوسطِ؟ كيفَ يُعلَّقُ لبنانُ على خَشبةِ الانتظارِ لانتخابِ رئيسٍ لِلجمهوريَّةِ فيهِ، أَو يُوضَعُ في ثلاَّجةِ المَصَالِح الخارِجيَّةِ إلى أن تَهدَأَ العَواصفُ في الدُّوَلِ؟

إنَّ رَبطَ الانتخاباتِ الرِّئاسيَّةِ في لُبنانَ بِحَلِّ نِزَاعاتِ الغَيرِ، وبِإبرامِ اتِّفاقاتٍ من أنواعٍ شتَّى، إنَّما هُو خطأٌ حَضَاريٌّ أو مُغالَطَةٌ كُبرَى تَقتَرِفُها الجهَّاتُ القادِرَةُ، إذا اتَّخَذَت مِثلَ هذا القَرارِ. فَليسَ مِن نَفعٍ لِلمنطقةِ ولا لِلعالَمِ في رَبطِ مَصيرِ لُبنانَ هكذا بِمَصيرِ غَيرِهِ، بلْ العَكسُ هُو الصَّحيحُ.

بتنَا، نَخشَى أخطارًا أَشدَّ وأَدهَى قد تَمتدُّ إلى ما هُو أبعدُ من الشَّرقِ. إنَّها أَخطارُ الحُرُوبِ الإسلاميَّةِ ــ الإسلاميَّةِ وَالحُرُوبِ الإسلاميَّةِ ــ المسيحيَّةِ وَالحُرُوبِ المسيحيَّةِ ــ المسيحيَّةِ الَّتي نَرفُضُها جملةً وتَفصِيلاً.

نُناشِدُ القيِّمِينَ على مَصِيرِ البلادِ أن يَتَوَسَّمُوا الحُلُولَ بِالمُحافظةِ على الشَّرعيَّتَينِ الدُّستوريَّةِ والوطنيَّةِ في آنٍ، فَتَكونَ كلُّ واحدةٍ منهما نصيرةً لِلأخرى وَمُسَانِدَةً لَها، وَليسَ أَبدًا مُنَافِيَةً لَها أو بِمعزَلٍ عنها. هكذا نَعبرُ الاستحقاقَ الرِّئاسيَّ وهكذا نَنجَحُ في تَحصِينِ لُبنانَ وطنًا وَدَولةً وفي تَثبِيتِ مُؤسَّسَاتٍ تُؤدِّي وَظَائِفَها في خدمةِ الوَطنِ والمُواطِنينَ.

وإِنْ دَخَلنا اليومَ في حِوَاراتٍ مُتَعدِّدَةٍ كما نحنُ فاعِلُونَ، فإنَّنا نَأمَلُ أن تُتَابَعَ بِثِقةٍ وَإِيجَابيَّةٍ، على أن تَعُودَ كلُّها وَتَصبَّ في حوارٍ وَطنيٍّ جامعٍ يُهَيِّئُ لِمَرحلةٍ جديدةٍ ويُؤمِّنُ لِبلادِنا ظُرُوفَ تَأديةِ رِسالتِها على أَكمَلِ وَجهٍ.

(]) رئيس أساقفة بيروت