Site icon IMLebanon

الوعي المضاد..

تبني «الممانعة» الإيرانية، من ذروتها في المصدر الى ملحقاتها في الخارج، مواقف من «عاصفة الحزم» تدلّ على شيئين واضحين، الأول وعي تام لـ«معنى» هذه العاصفة وامتداداتها الأبعد من الجغرافيا اليمنية. والثاني وعي مواز بـ«خطورة» ذلك الالتمام العربي والاسلامي العام حول موقف السعودية وريادتها واعتبار أي مسّ بها وبحدودها شأناً عربيًّا وإسلاميًّا عامًّا.

اشتغلت قوى ذلك المحور ولا تزال على انتهاز فرص الخلافات البينية والداخلية في المناخ العربي والاسلامي. أي بين دولة وأخرى أو داخل هذه الدولة أو تلك. بل هي «ساهمت» في إنضاج بعض تلك الفرص ومدّها بأسباب التحوّل الى أزمات كبيرة.. مأساة اليمن مثال كبير عن ذلك الشغل الانتهازي الايراني، وكان يفترض بهذا المثال أن يكون بوابة الى ترسيخ المتغيرات الجذرية التي أرادت إيران أن تكون موازية للاتفاق النووي مع الغرب والأميركيين، بحيث تقطف من شجرة غيرها تعويضاً مثمراً عن عجزها الاستراتيجي عن التحول الى قوة نووية اقليمية «عظمى»!

حدّة الاستنفار المواجه لـ«عاصفة الحزم» تدلّ تماماً على حدّة الشعور بتلك الخسارة المزدوجة: ضاع حلم أو وهم، القنبلة النووية، وضاع في موازاته حلم أو وهم الدولة الاقليمية المهيمنة أو المسيطرة بقوة الأمر الواقع، من بوابة طرطوس الى باب المندب ومن دمشق الى صنعاء ومن ضاحية بيروت الجنوبية الى بغداد، ومن شواطئ قزوين الى شواطئ الأبيض المتوسط.

اليمن بهذا المعنى (المأسوي بكل حال) تحول من فرصة لإيران الى نكسة ذات أبعاد استراتيجية لها: بدل أن يكون تلك المنصة الكامشة بمفاصل وخطوط أبعد وأكبر من حيزها الجغرافي الضيق، صار نكسة بالمستوى ذاته. أي انه أطلق شرارة الوعي المضاد وبأبعاد غير مألوفة وربما غير متوقعة، عربيًّا واسلاميًّا، بحيث أنه انفجر دفعة واحدة في وجه المشروع الايراني وألغى بزخم اندفاعه الانفجاري الكثير من التمايزات والخلافات لصالح تظهير المشتركات الجامعة.

وتعرف إيران أكثر من غيرها، ان سقف رهاناتها تداعى: تنفخ (مثلاً) هي وأبواقها في موقف باكستان القائل في ظاهره انها لن تشارك في «عاصفة الحزم» لكنها تتعامى عن حقيقتين أساسيتين. الأولى ان موقف باكستان لم يتغير أساساً منذ بداية الحملة العسكرية الراهنة. والثانية ان ذلك الموقف كان ولا يزال يتوعّد كل من يحاول المسّ بالسعودية.

وتعرف إيران أكثر من غيرها، أن تركيا المتمايزة في الموضوع المصري، قاربت «عاصفة الحزم» بكلام كبير: لم تؤكد فقط دعمها لها ضد الانقلابيين في اليمن، بل وضعتها في سياق أشمل هو مواجهة السياسات الايرانية في كل المنطقة من صنعاء الى دمشق، وكان موقفها واضحاً الى حد افقاد الإيرانيين الكثير من صوابهم السياسي والديبلوماسي!

وتعرف ايران أكثر من غيرها، ان الموقف المصري مثل الموقف العربي العام لا يتمايز عن قرار «عاصفة الحزم» ولو بفاصلة واحدة! وهي بالتالي، تعرف جيداً، ان التركيز على السعودية ومحاولة البناء على وهم استفرادها، لن يعوّض عن الحقيقة العربية الاسلامية القائمة والتي يراها كل العالم، كما هي، من دون تزويق ولا تزوير ولا تحريف.