شكّل اللقاء الذي عُقد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مناسبة لطرح العديد من المسائل الوطنيّة وتلك التي تتناول وضع الجبل.
ترك البطريرك الراعي أمس المقرّ الصيفي للبطريركيّة المارونيّة في الديمان، وعبر الشمال ومرّ بجبل لبنان الشمالي ليصل إلى جبل لبنان الجنوبي وتحديداً إلى قصر بيت الدين في الشوف، ذاك القصر الذي كان شاهداً على مرحلة العزّ أيام الأمير بشير الشهابي، والذي شكّل الشمال الماروني في مرحلة من المراحل خزّان دعم للأمير في بناء قوّة إمارته التي لعبت دوراً إقليمياً في ذلك الزمان.
ويهمّ البطريركيّة المارونيّة بشكل أساسي تثبيت المسيحيين في جبل لبنان الجنوبي، وتحديداً في الشوف وعاليه، علماً أنّ عملية الإنكماش المسيحي والتقوقع في جبل لبنان الشمالي وقسم من الشمال المسيحي ستؤدّي حكماً إلى خسارة المسيحي امتداده الجغرافي والديموغرافي في الأطراف.
ومن جهة ثانية، فإن البطريركيّة تُبدي كل حرصها على مصالحة الجبل التي كرّسها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير ورئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، وتعلم بكركي علم اليقين أن الجبل لا يقوم إلاّ بجناحيه المسيحي والدرزي، وأي اختلال في هذه القاعدة سيؤدّي حكماً إلى اختلال على الصعيد الوطني.
جدول الأعمال بين الرئيس والبطريرك كان حافلاً، وبنده الأول كان صون المصالحة في الجبل، وعدم الإنجرار إلى فتنة درزية – درزيّة أو مسيحيّة – درزيّة، وقد وضع عون البطريرك في أجواء المصالحة التي تمّت في بعبدا، ومتابعتها عن كثب، حيث كثّف الرئيس في بيت الدين لقاءاته مع الأقطاب لصون تلك المصالحة، وقد لمس لدى الجميع رغبة في عدم العودة إلى الاقتتال والاستمرار بالإيجابيّة التي تظهر على الساحة والتي ستتكرّس في معاودة مجلس الوزراء اجتماعاته المنتجة.
وحضر موضوع الشراكة بقوّة في اجتماع عون بالراعي خصوصاً وأن البلاد مُقبلة على تعيينات إداريّة واستحقاقات كثيرة، وحصل عون على جرعة دعم كبيرة في هذا المجال، إذ إن الراعي أكّد أهمية تحصين الشراكة الوطنيّة وأخذ كل ذي حقّ حقّه، وشدّد على أن المادة 95 من الدستور هي من الأمور التي يجب تطبيقها ويجب ألاّ يكون هناك أي خلاف في الرأي حولها، والدستور يجمع اللبنانيين ولا يمكن أن نأخذه إنتقائياً، بل بشكل متكامل.
وبالنسبة إلى الوضع العام في البلاد، فقد أكد الراعي دعم عون في الجهود الإنقاذية لأن الوضع الإقتصادي والإجتماعي لم يعد يحتمل، ورأى أن المطلوب تكثيف عمل الحكومة لأن الأمور وصلت إلى درجات غير مقبولة من التراجع، وبالتالي فإن أولوية القوى السياسيّة يجب أن تصبّ على الخروج بمعالجات وتطبيق مندرجات المؤتمرات الدولية للحصول على أموال “سيدر”، وكذلك عدم السماح للوضع الإقتصادي بالانهيار، وسط تأكيد من رئيس الجمهوريّة على أنه سيفعل كل ما في وسعه لإنقاذ الوضع، وأن اجتماعات الحكومة ستتكثّف وسيكون مجلس الوزراء منتجاً، وهذا الأمر يتّفق عليه الجميع. وأبلغ عون البطريرك بأن الموضوع الاقتصادي سيكون البند الأول في اهتمامات مجلس الوزراء لمواجهة التداعيات التي يُحدثها على حياة المواطنين الذين لم يعد في مقدورهم التحمّل أكثر.
وفي السياق، فإن جو الإجتماع بشكل عام كان إيجابياً خصوصاً أن الجميع يعلم أن عودة الخلافات ستشلّ البلد، وكذلك فإن الجبل لا يحتمل مزيداً من الخضّات التي ستضرب البلاد. وبعد لقاء عون، تحدّث الراعي الى الصحافيين، فأكد أن “مجيء رئيس الجمهورية الى هنا في غاية الأهمية لأنه كرئيس للبلاد وأب للجميع ومسؤول عن الجميع، فقد ساعد حضوره هنا في إراحة الوضع. وشعر أهل الجبل جميعاً من دروز ومسيحيين ومسلمين على مختلف أطيافهم أن هذا الجبل لا يعيش إلا بوحدته”.
وتابع: “تكلّمنا عن رسالة فخامته إلى المجلس النيابي لتفسير المادة 95 من الدستور التي هي لخير جميع اللبنانيين، ومن الواجب تطبيقها في الطائف. وهناك قضايا عدة يجب الأخذ بها كاللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ وغير ذلك”.
وعما يطرح من مبادرة لجمع الأقطاب المسيحيين، قال الراعي: “إنبثقت من اللقاء الأول الذي عقدناه، في حينه، لجنة مصغرة تُمثّل الفئات كافة من أحزاب وكتل نيابية، وقد اجتمعت مرتين. نحن علينا أن نجتمع كي نوحّد رؤيتنا للخروج من الخلافات اليومية، ويكون المجتمعون هم من يتعاملون ويتواصلون مع زملائهم الآخرين من مسيحيين ومسلمين. كما أننا نعتبر أن هذا هو دور البطريركية المارونية في جمع وتوحيد اللبنانيين ومساعدتهم لأننا جميعاً أبناء هذا الوطن، الذي تكمن قيمته في أنه وطن تعددي”.
وعن التفسيرات التي أُعطيت لكلام رئيس الجمهورية الأخير في ما خص الإستراتيجية الدفاعية، أوضح أن “مسألة الإستراتيجية الدفاعية أساسية، وقد طُرحت أولاً في عهد الرئيس ميشال سليمان. وهي ضرورية، فبالنسبة إليّ الموضوع منتهٍ منذ أن تمّ طرحه. من الضروري أن يتمّ اعتمادها، فهذه الإستراتيجية الدفاعية ضرورة ماسة في حياة لبنان”. واعتبر أنه “من المبكر جداً الكلام عن الإستحقاق الرئاسي. حديث اليوم يجب أن يكون حول كيفية النهوض بالبلد المهدّد. علينا أن نبحث في كيفية معالجة موضوع الساعة الملحّ، وأي موضوع آخر لا طعم ولا لزوم له.”