IMLebanon

الديموقراطية التوافقية والنسبية الوهمية

ليس من باب التحدي او الاستفزاز وليس من باب التنبؤ بل من باب معرفتنا بتكوين الكيان اللبناني، فان النسبية هي وهم يطرحه السياسيون على الشعب اللبناني. اذ لا يمكن تطبيق النسبية في ظل الديموقراطية التوافقية، وعندما نقول ديموقراطية توافقية فالتوافق يلغي الديموقراطية، ولا تعود هنالك قيمة للاكثرية او للاقلية.

النسبية مدخل لتغيير كبير في المجلس النيابي وفي نتائج الانتخابات النيابية، وهو امر جيد، لكن تركيبة لبنان الطائفية لا تسمح باجراء انتخابات لا على مستوى لبنان دائرة واحدة، ولا على مستوى لبنان محافظات، بل على مستوى اقضية وربما مستوى الدائرة الصغرى وهي الفضلى.

اما النسبية فانها تحتاج الى تقسيم جديد للاقضية لانها ستغير واقع المجلس النيابي كلياً، والقوى السياسية المسيطرة على المجلس النيابي لا تريد التغيير، وهي تضمر شيئا وتقول شيئا، هي تضمر انها لا تريد النسبية وعلانية تطرح النسبية لتقول للشعب اللبناني انها تريد التغيير. وهذه القوى تكذب على الشعب اللبناني ولا تقول الحقيقة، ذلك ان طرح كل فريق بشكل من الاشكال النسبية هو تعطيل للبحث في النسبية، واذا كان وزير الداخلية يقول ان الانتخابات النسبية مستحيلة في لبنان، لان ليس لديه الطاقم التقني القادر على اجراء انتخابات في أيار، على أساس النسبية، وهو المسؤول عن اجراء الانتخابات النيابية، وإدارة العملية الانتخابية النيابية. فماذا عسانا نقول لبقية الناس عندما يصرّح مسؤول بكل جدية ان النسبية غير قابلة للتطبيق.

لكن المشكلة الحقيقية هي ان لبنان مؤلف على قاعدة الديموقراطية التوافقية من اقطاعيات مذهبية وطائفية، واذا اخذنا اليوم تصريح الوزير وليد جنبلاط، نرى تماما انه يرى في النسبية ذوبان للطائفة الدرزية، وهو لن يقبل أن يبتلعه بحر إقليم الخروب واصوات المسيحيين، وتصبح أصوات الدروز في الشوف اقلية. وبالتالي، فان الوزير وليد جنبلاط لن يرضى بتحجيم كتلته النيابية من 11 نائبا الى عدد مجهول نحو الأقل.

كذلك فان الاقطاعيات الأخرى كافة المذهبية الشيعية والسنيّة والمسيحية لا تريد النسبية ولا يمكن ان تكون هنالك نسبية طالما ان التقسيم الجغرافي للاقضية هو على قانون 1960، بل نحتاج الى تقسيم جديد والتوصل الى الدائرة الصغرى، وبالتالي، يمكن عندئذ البحث في النسبية.

النسبية تعني الغاء نصف الاقطاعية في لبنان، النسبية تعني الغاء ثلث الوجوه في المجلس النيابي، النسبية تعني خسارة الكتل النيابية لثلث أعضائها، هذا على الأقل. فهل يمكن ان تقبل هذه الكتل هذا الامر؟

هنالك من يريد النسبية على مستوى لبنان دائرة واحدة، وهنالك من يريد النسبية على مستوى الاقضية، وهناك من يريد النسبية على مستوى الاكثري وغير ذلك.

ولذلك فان النسبية ساقطة ونقول انكم تكذبون على الشعب اللبناني وسيبقى قانون 1960 هو قانون الانتخابات في أيار القادم، اذا جرت الانتخابات، الا اذا وافق العماد الرئيس ميشال عون على تأجيل تقني ويكون قد نكث بوعده بأنه لن يقبل أي تمديد، واذا كان البعض قام بتجميد التمديد للمجلس النيابي تحت عنوان التأجيل التقني، فان عهد العماد الرئيس ميشال عون يكون قد خرق المبدأ الذي اعلنه وهو ان لا تمديد لاي جهة ولاي شخصية ولاي مؤسسة عند انتهاء ولايتها.

لذلك منذ الآن نرى ان الانتخابات ستجري على قانون 1960. وليتوقفوا عن الحديث عن النسبية لانه يكفي ان يقول الوزير وليد جنبلاط اننا لسنا لقمة سائغة، أي عن الطائفة الدرزية او الحزب التقدمي الاشتراكي، ولكن على الأرجح عن الطائفة الدرزية انها ليست لقمة سائغة تؤكل كي يتوقف الرئيس نبيه بري عن طرح النسبية في لبنان، وان يتوقف الرئيس سعد الحريري ويتحالف مع الوزير وليد جنبلاط في رفض النسبية. وان تتحالف القوى المذهبية الاقطاعية في مناطقها الضيقة ضد النسبية ولذلك فالحلف ضد النسبية اكبر من الحلف الذي هو مع النسبية، مع العلم ان الجميع تبنى، باستثناء الوزير جنبلاط مبدأ النسبية، وهذا الجميع يكذب لانه يطرح النسبية بشكل معقّد وكل طرف يطرحه بشكل على هواه ويناسب مصالحه. وبالتالي، لا نسبية في لبنان بل هنالك نسبية وهمية يتحدثون عنها.

اما لبنان فيحتاج الى قانون عصري للانتخابات، قائم على مبدأ الصوت الواحد في الانتخابات، لا ان ينتخب المواطن في منطقة 8 نواب وان ينتخب مواطن في منطقة أخرى نائبين، ولا ان ينتخب مواطن في منطقة 10 نواب ولا ان ينتخب نائب في منطقة 3 نواب. فما الذي يفرّق المواطن في البقاع الشمالي الشرقي عن المواطن في جبيل؟ فالمواطن في البقاع الشمالي الشرقي ينتخب، على ما اعتقد، 8 نواب او اكثر، بينما المواطن في جبيل ينتخب 3 نواب. ثم ان المواطن في الجنوب ينتخب لائحة من 8 نواب واكثر، بينما ينتخب المواطن في البترون نائبين. وفي طرابلس ينتخب المواطن 7 نواب، وفي زغرتا ينتخب 3 نواب. وهذا لا يدل على التوازن في الإرادة الشعبية للتعبير عن اختيار النواب، فعندما يعطى الحق لمواطن ان يختار 8 نواب، ويمنع عن مواطن اخر اختيار اكثر من نائبين، فان ذلك يشكل خللا كبيرا في التمثيل الشعبي الذي يعبر عنه المواطنون اللبنانيون.

ان القانون العصري الذي نطالب به هو قانون الدائرة الصغرى، ونطالب بأن يكون للمواطن صوت واحد يصوّت به لنائب واحد. وإذّاك يكون التمثيل الشعبي تمثيلا حقيقيا وليس تمثيلا كيفيا نوعيا، غوغائيا وغير متوازن.

بالله عليكم كفوا الحديث عن النسبية، وبخاصة البيان الوزاري، عندما ستقولون انكم ستعتمدون النسبية في قانون انتخابي جديد، او ستقولون انكم تسعون الى قانون انتخابي جديد، فنحن لا نصدقكم، والبيان الوزاري سيكون شهادة على كذبكم. ومن الان وحتى أيار فترة بضعة اشهر، والاتي قريب، والغد قريب. فبالله عليكم توقفوا عن الحديث عن النسبية واعترفوا بالواقع، انكم غير قادرين وغير قابلين بتغيير تركيبة لبنان المذهبية الطائفية ولستم قابلين لتغيير الوجوه او نقصان الكتل في لبنان وفي دوائركم السياسية الانتخابية.