Site icon IMLebanon

السياسيون “اخترعوا” أسوأ أزمة اقتصادية وديمقراطية توافقية

 

برع اللبنانيون بتميّزهم واختراعاتهم وريادتهم في كل العالم. ومؤخراً نال لبناني جائزة نوبل بالطب نفخر بها. أما السياسيون في لبنان فقد برعوا في خلق واختراع وإنجاز أسوأ أزمة إقتصادية، إجتماعية ومالية في العالم، وتميزوا أيضاً بإدارتها التي كانت حتى بعد أسوأ بأضعاف من خلقها.

تميّز السياسيون أيضاً وبرعوا بإختراع أسماء وعِبَر جديدة، الأهم والأشهر منها هي «الديمقراطية التوافقية»، والتي ليس لها قاموس ولا قانون ولا تاريخ، لكن إخترعوها ونفذوها ويُلاحقوننا بها كلما شاؤوا وفق مصالحهم الضيقة.

 

سنبدأ بتجزئة هذه العبارة الوهمية، بأخذ كل كلمة على حدة. فالديمقراطية الحقيقية تبدأ بإحترام الغير، وعدم فرض نمط عيش، ومن دون تدخل بالحياة اليومية لا سيما بعيداً عن التخويف والتخوين والترهيب.

 

الديمقراطية الحقيقية مبنية على الإنفتاح على العالم، والتبادل التجاري، والإقتصاد الحر والقوة المالية والنقدية والإقتصادية. أما التوافق فلا يعني الإتفاق الدائم، لا بل يعني الحوار، وتبادل الآراء والأفكار، والمنافسة أو التآزر بالمشاريع واتخاذ أفضل قرار مناسب.

 

التوافق لا يعني التشبث بالرأي ولا الإنفراد لا سيما أنه لا يعني التعطيل أو الشلل، بغية إجبار وفرض الرأي أو المشروع بالقوة.

 

التوافق الحقيقي، لا يعني أن يكون الجميع دائماً برأي واحد، وأن يكونوا دائماً متوافقين على كل المبادرات والأفكار. لكن التوافق يعني الإنفتاح على الآخر بشفافية وموضوعية، وتبادل الأفكار بجدال بنّاء ومثمر وإتخاذ القرار الأفضل لمصلحة الوطن.

 

أخيراً، عندما نجمع الكلمتين هنا تقع الكارثة، وتصبح العبارة الديموقراطية التوافقية مضحكة مبكية، لأننا مباشرة نستطيع من خلالها أن نقرأ ونفهم بسهولة التناقض الواضح بين الكلمتين النافرتين، غير المنسجمتين في السياق والمعنى.

 

لتطبيق الديمقراطية لا يعني أنه يجب أن يكون هناك توافق وإتفاق باق، ولا يعني أن التصويت أُزيل، ولا يعني أن أي شخص أو مجموعة يُمكن أن تشلّ البلاد والإقتصاد، أو تجرّ كل المواطنين إلى أماكن ووحول مشبوهة.

 

فبدعة الديموقراطية التوافقية لن تولّد لدى تطبيقها إلاّ الشلل والجمود والتراجع المستدام. فحين يخاف كل طرف من الآخر ولا يثق به، أو كل طرف يستطيع أن يوقف القرارات والمحركات ويشلّ الإدارات والإدارة، هذا يعني أنه لا وجود للديمقراطية ولا للتوافق، لكن تُستعمل «الديمقراطية التوافقية» كسلاح تدميري للديمقراطية والتوافق.

 

ليس ممكناً أن تُدار البلاد لتسمية وزير، من خلال أنه «يجب أن يتفق الجميع»، ولاستقالة وزير، من خلال أنه «على الجميع التفاوض»، ولدعوة جلسة، «يجب الإتفاق على كل كلمة أو حرف سيُبحث فيها خلال الجلسة». وأيضاً أن ينتقد الجميع كل القرارات قبل حتى مناقشتها في المنصة الدستورية. فالإجماع العام هو مضرّ أكثر منه مفيد.

 

ففي هذه المحنة الكارثية، وعوضاً عن العمل الدؤوب 24 ساعة/ 24 و7 أيام/7، برع السياسيون باختراع عبارة جديدة هي أن مجلس الوزراء مشلول، والحكومة فعالة.

 

نتساءل إذا كان هؤلاء السياسيون الرياديون الذين يخترعون هذه العبارات من وقت إلى آخر، طامرين رؤوسهم في التراب، يُصدّقون أنفسهم لا بل الأكاذيب المؤذية التي تحصل بالأكثر، وفي العمق في هذا النفق السوداوي، ليغرق فيه اللبنانيون أكثر فأكثر.

 

في الخلاصة، رغم كل هذه الإختراعات المشبوهة، إن لبنان سيبقى بلداً ديموقراطياً حراً، مبنياً على حب الحياة، وإحترام الغير، والتوافق الشفاف، حسب تاريخنا وجذورنا وسلفنا. فاختراع العبارات أو قاموس جديد لا يفيد. أما في قاموسنا، فهناك المرونة والإصرار والمثابرة والإستمرار وعدم الإستسلام أبداً. فلبنان سيبقى بلداً ديمقراطياً حراً ومستقلاً شاء من شاء وأبى من أبى.