انتقلت مواقف الدول الكبرى عشية استئناف الجولة الثانية من المفاوضات السورية السورية في جنيف، من الإشادة بنجاح وقف النار الذي تم الاتفاق عليه بين روسيا والولايات المتحدة في 27 شباط الماضي الى إبداء القلق من زيادة العنف في سوريا، وسط تهديدات من النظام بمساعدة حلفائه للانقاض على حلب في محاولة لاستعادتها، في ظل كلام على سيطرة “جبهة النصرة” على أحياء أساسية فيها. فاستعادة تدمر بمساعدة روسية والصمت على إعادتها الى النظام على قاعدة إنهاء سيطرة تنظيم “داعش” عليها، يشجع النظام وحلفاءه في اتجاه متابعة عملية تصاعدية بذريعة محاربة “داعش”، فيما يمضي النظام في خطواته في فرض الأمر الواقع عشية المفاوضات عبر جملة عناوين حرص على إبلاغها في الاسابيع الأخيرة، بدءا من إجراء انتخابات برلمانية، ولو ان أكثر من 12 مليونا من السوريين هم خارج بلادهم أو خارج مناطقهم. وهي انتخابات أعلن النظام عنها فورا على أثر الاعلان عن اتفاق أميركا وروسيا على وقف الأعمال العدائية، ومن شأن إجرائها تثبيت أمر واقع جديد، شأنه في ذلك شأن الانتخابات الرئاسية التي أجراها عام 2014، بحيث أن الدول الغربية، وإن لم تعترف بشرعية الانتخابات التي أمنت له استمرارية في السلطة، فإن حلفاءه يتخذون منها ورقة للتفاوض على غرار ما أعلنت إيران قبل أيام أنها تدعم إنهاء بشار الاسد ولايته الرئاسية التي تنتهي سنة 2021. وفيما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الاثنين أنها لا تنوي الاعتراف بالانتخابات البرلمانية في سوريا المقرر إجراؤها اليوم الاربعاء، وانها لن تعتبر هذه الانتخابات شرعية لانها لا تمثل ارادة الشعب السوري، فمن المرجح ان يستخدم النظام وحلفاؤه ورقة هذه الانتخابات للتفاوض، فيما الموقف الاميركي أو الغربي عموما لن يكون فاعلا الى حد كبير، شأنه شأن الموقف من الانتخابات التي أجراها الاسد لتأمين استمرارية حكمه. وبعدم اعتراف الغرب بشرعية الاسد، فإنه لا يزال يجلس الى طاولة المفاوضات محاورا أساسيا لا يمكن القفز فوقه، حتى لو كان الامر يتصل بالمفاوضات للمرحلة المقبلة التي تحمل عنوانا رئيسيا يقضي بنقل السلطة من يده الى هيئة او حكومة انتقالية. وهذه النقطة بالذات لا تخلو من تعقيدات بعدما أضفى عليها تفسيره الخاص لما يسمى مرحلة انتقالية تختصر في مفهومه بحكومة جامعة تضم بعضا من المعارضة، فيما تبقى السلطات في يده، ولا سيما الامنية منها، وكذلك الامر بالنسبة الى اعلانه عن انهاء دستور جديد قريبا يستبق فيه عمل الحكومة الانتقالية بالاعداد للدستور العتيد.
ومن هذه الزاوية، فإن جملة مؤشرات بدأت تطرح علامات استفهام حول ما اذا كان هناك فعلا تفاهم او توافق اميركي – روسي كلي حول الشأن السوري ساد الكلام عنه كثيرا في الاسابيع القليلة الماضية، وعمم هذا الانطباع على نحو واسع على اساس انه يجب التسليم بواقع انه بات سقفا يفرض على الجميع، ولا مجال لتجاوزه. وتعود علامات الاستفهام هذه انطلاقا من الثغر الذي بدأت تتضح معالمها أكثر، استنادا أولا الى التباين الغربي الروسي مع هوية منتهكي الهدنة، علما أن النظام مسؤول عن غالبية الانتهاكات، وكذلك حلفاؤه من الايرانيين أو “حزب الله”، ويشهد على ذلك سقوط عدد كبير من العناصر التابعة لهم أخيرا. وكان أبرز انتهاكات النظام أخيرا قصفه مستشفى ومدرسة في دير العصافير أدى الى مقتل 30 مدنيا، في حين ترمي روسيا الكرة في ملعب خصوم النظام، فيما تتصدى روسيا لاصدار بيانات صحافية في مجلس الامن من اجل ادانة النظام لخرقه الهدنة. ومعلوم أن النظام، وفي إطار الاوراق التي يمسك بها، عاد يتشدد في منح المساعدات الانسانية للمناطق المحاصرة ويمنع المساعدات الطبية عن هذه المناطق من دون أدنى رد فعل، لا من مجلس الامن العاجز في ظل استمرار الرفض الروسي ولا من الدول الغربية التي من مصلحتها أن تؤمن استمرارية المفاوضات خشية عودة الاقتتال، وتاليا التهجير والمزيد من اللاجئين والارهاب. يضاف الى ذلك أنه فيما كان وزير الخارجية الاميركية جون كيري يتحدث عن انسحاب متزايد للقوات الايرانية من سوريا، أعلنت ايران عن إرسال لواء من قواتها الخاصة الى هناك، في حين غاب أي تعليق أميركي على الموضوع.
وتبعا لذلك، غدا من غير الواضح ما اذا كان يجب ايلاء اي اهمية لمهمة الموفد الدولي ستيفان دو ميستورا، علما ان مراقبين كثرا لا يرون ما يقوم به مجديا باعتبار انه واجهة لتمرير الوقت وآلية للتهدئة ليس إلا، في حين يتأكد أكثر أن ليس الحل الذي يحاول التوصل اليه عبر التفاوض بالواسطة الذي يجريه هو الحل الفعلي، وهو لم يكن أصلا كذلك، بل هو واجهة للاتفاق الاميركي – الروسي، لكن التطورات الاخيرة في ضوء المعطيات المذكورة بدأت تثير أسئلة جدية عما إذا كانت روسيا تنفذ خطة “ب” ما في سوريا، في موازاة محاولة الإلهاء السياسية القائمة في جنيف. وتقول مصادر ديبلوماسية معنية إن الغرب لم يستطع أن يستوعب أو يفهم الاهداف الروسية من سوريا خلال الاعوام الخمسة الماضية من عمر الحرب السورية، ولم يكن مؤهلا او قادرا لفهم ما تسعى اليه روسيا ما لم يكن سلمها الوضع السوري لرغبته في الانتهاء من هذا الخير على غرار ما تعب العالم من لبنان ايام الحرب وسلم بالامر الواقع لسوريا فيه؟