ست سنوات من زلازل «الربيع العربي» خلعت أبواب النظام العربي الإقليمي وحطّمت جدرانه، فيما انقضّ الإرهاب ليدمّر سيادات ويمحو خرائط.
لا حدود لأزمات المنطقة، وأما الحلول فالقادة والزعماء العرب سيحاولون في قمة البحر الميت التأسيس لرؤية واقعية في ترتيب أولوياتها، وإبلاغ الروس والأميركيين أن العرب لم ينكفئوا عن ساحة التسويات، بل إن زلازل «الربيع» والحرب الباردة الثانية حوّلت معظمهم إلى شهود، بين فكّي الإرهاب والحروب المستعرة في سورية والعراق وليبيا.
الحرب الباردة بنسختها الجديدة، تستغل صراع الأدوار الإقليمية غير العربية، وزعزعة كيانات المنطقة بعواصف مواجهات مذهبية مفتعلة لتفكيكها. ويدرك القادة العرب أن تمدُّد الروس بقواعد عسكرية في المنطقة، بذريعة الردّ على خطط الغرب لتطويقهم على خطوط التماس مع الحلف الأطلسي، لن يرغم الأميركيين على تمديد انكفائهم… والدليل تكثيف ضرباتهم الجوية في العراق وسورية واليمن. ولكن، ماذا بعد «داعش»؟
ما يدركه القادة العرب أيضاً، أن القمة التي سترسم مدى السقف الأخير للتعامل مع الكرملين والبيت الأبيض، في مرحلة الاستعداد لـ «صفقات الكبار»، لا بد أن تتجاوز القرارات إلى صيغة تنفيذية، تفرض الحضور العربي ما إن يحين أوان انطلاق قطار التسويات.
تتردَّد قرب قاعة القمة التي ستشهد اليوم مداولات القادة العرب، عبارات الثناء لصمود الأردن أمام زلزال الحروب في سورية والعراق، وطوفان اللاجئين وجنون إرهاب «داعش» وراء الحدود… لكن عين عمّان على توافق عربي يطلق مساراً موحّداً في مخاطبة الشرق والغرب، الروس والأميركيين. عينُها على خطط إدارة الرئيس دونالد ترامب لإحياء المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وعلى ما يضمره بنيامين نتانياهو لخطف مسارها مجدداً بذرائع التصدّي لما يسمّيه «الإرهاب الفلسطيني»، وضمان أمن المستوطنين في الضفة الغربية.
وإذا كان بديهياً أن تثير مشاريع ضم إسرائيل الضفة أو تسريع قضمها، مخاوف الأردن من «لا مبالاة» أميركية محتملة، تطلق يد نتانياهو في الضفة، فيما يتأهّب لضربات في غزة وسورية، تتشعّب مبررات القلق العربي من «فرصة ذهبية أميركية» يتحيّنها اليمين الإسرائيلي المتطرّف، إلى فُرص فصل حاسم في صراع النفوذ الإيراني – التركي… من العراق إلى سورية.
بين أطماع إسرائيل، وتحريض إيران على دول خليجية، وتلاعبها بمصير اليمن، بين نهايات حربٍ ضروس مع «داعش»، وخوف من الآتي وهواجس «دويلات» أمرٍ واقع، يواجه القرار العربي مجدداً، امتحاناً عسيراً واستثنائياً. فإيران تستعد لمرحلة الحل «الكسيح» في سورية، وتحاول إغراء الروس لعدم اقتلاع وجودها ونفوذها في البلد الممزّق بالدمار والقتل. ويُخشى أن تكرّس التسوية كانتونات للنظام والفصائل على تخوم القواعد العسكرية، يتبخّر معها أي أمل باستعادة وحدة سورية والسوريين.
أما تركيا رجب طيب أردوغان فتستعد لاختبار وعود الروس، شامتة بإيران وريبتها، لكنها لا تعرف بعد أين تقف جمهورية «السلطان» على حدود «الهلال الإيراني».
على ضفاف القمة العربية، غيوم قلق، ولكن مع آمالٍ بواقعية، تحصي الأخطار والأعداء، وتستكشف خطة أهداف، توزّع الأدوار بالتكافل والتوافق.
ثلاثة خطوط حمر حُسِمت عشية افتتاح القمة، هي الإصرار على التمسُّك بمبادرة السلام العربية وأن لا بديل من حل الدولتين، ودعم وحدة العراق ووحدة سورية واليمن. والإجماع السهل محوره الاستعداد لمرحلة جديدة تنتقل إلى استئصال الإرهاب بالفكر، بعد صمت المدافع، وسحق «داعش».
كان حصاد السنوات الست أكثر من ستمئة ألف قتيل ودمار مدن وحواضر وأرياف. والخطر الأكبر أن يتحوّل جيل كامل من اللاجئين إلى قنابل موقوتة، في قبضة التشرُّد والإرهاب.