يتمسك النائب السابق فارس سعيد بترشيح فادي مارتينوس إلى رئاسة بلدية قرطبا ويسعى إلى التوافق عليه حتى يضمن خوضه الإنتخابات النيابية من دون منافسة داخلية. بيد أنّ الملاحظات على أداء مارتينوس الإنمائي وغيابه عن بلدته، سببان يُعرقلان مسار المفاوضات
يحلو لمنسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد أن يعطي أبعاداً إقليمية وعالمية لأي موضوع يُطرح للنقاش. فهو قادر بتغريدة على «تويتر» (من 140 حرفاً) أن يجمع بين إنتاج التفاح في العاقورة والأزمة الإقتصادية في العالم، وأن ينظر بإعجاب إلى الاتفاق الموقع بين مصر والسعودية حول جزيرتَي صنافير وتيران، مستغرباً في الوقت نفسه كيف أن الأحزاب «المسيحية» في لبنان ما زالت ترى أن سلاح حزب الله ضمانة لها.
غالباً ما ينتقد الأحزاب (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر خاصة) لأنها تعمل بعقلية مختار أو رئيس بلدية. ولكن سعيد نفسه حالما ينتهي من سلّة تغريداته اليومية، التي يبدأها عند الرابعة فجراً، يشلح على كتفيه عباءة «الزعامة» التي ورثها عن والده النائب الراحل أنطوان ووالدته النائبة السابقة نهاد جرمانوس، متابعاً أدق تفاصيل الإنتخابات البلدية في مسقط رأسه قرطبا. هناك «الملعب واسع… واسع»، على العكس من الزاوية الضيقة التي حاول رفاقه في 14 آذار حشره فيها. إبن أصغر عائلة في قرطبا هو «خياط» اللوائح البلدية منذ سنوات، والبلدية الحالية ربحت بفضل دعمه وما يُحكى عن «القدرة المالية» لرئيس البلدية فادي مارتينوس. منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، بدأ سعيد العمل على تأليف لائحة توافقية تضم القوى الأساسية في البلدة (سعيد، فادي روحانا صقر، النائبة السابقة مهى الأسعد، المرشح السابق للانتخابات النيابية العقيد ميشال كرم، التيار الوطني الحر، حزب الكتائب، القوات اللبنانية ومارتينوس). المفاوضات تنطلق من أنّ «أمين» 14 آذار لا يضع «فيتو» على مشاركة أي طرف، إلاّ أنه يحتفظ لنفسه بحق تسمية الرئيس دون أن يعترض على شخصه أحد. ربما لعلمه أنّ ملاحظات عدة تحيط بشخصية مارتينوس، وخاصة من جانب القوات اللبنانية والعقيد ميشال كرم.
«سعيد ومارتينوس يُناكفان ببعضهما بعضا طيلة عهد المجلس البلدي، ولكنهما في نهاية الأمر يتحالفان معاً». هكذا يصف الفاعلون في الملعب القرطباوي علاقة هذا الثنائي. ورغبة سعيد في إرساء جوّ توافقي، غير مرتبطة بانتخابات بلدية بنطاقها الضيق. «حكيم القلب» عينه على المقعد النيابي الذي انتزعه منه «التسونامي العوني» عام 2005، هو يزرع اليوم ليحصد في 2017. تحالف سعيد مع مارتينوس يريحه على صعيدين: أولاً يحسم معركة إتحاد بلديات جبيل، فيظهر بعد فوز مرشحه بأنه هو الذي انتصر. علماً أنه وفق معلومات «الأخبار» فإن رئيس بلدية جبيل زياد حواط أبلغ مارتينوس دعمه له، هذا إن لم «يمُنّ» سمير جعجع على حواط بالترشح إلى رئاسة الإتحاد. ثانياً، يرغب سعيد في أن «يُجهض» أي محاولة تكتل ضدّه في «نيابة 2017»، إن حصلت. «نوايا» سعيد يؤكدها عضو البلدية المحامي سيمون كرم، المقرب منه، الذي يقول إنّه «إضافة إلى الرغبة في مشاركة الجميع، يريد سعيد الترشح إلى النيابة في ظلّ أجواء توافقية». المفاوضات بلغت «مراحل متقدمة، ولكن لا شيء محسوماً بعد».
يُتهم فادي
مارتينوس بأنه يغيب عن بلدته ويعود قبل الانتخابات ليُقنع الناس
«أشرس» المعارضين للتوافق على إسم مارتينوس هو العقيد ميشال كرم، الذي رفض عرض مارتينوس أن يكون ممثلاً في المجلس الجديد. ينقل مقربون منه عنه أن «تاريخه لا يسمح له بالسير عكس مصلحة قرطبا. هو اجتمع مع الأطراف كافة باستثناء مارتينوس ومهى الأسعد، سائلاً إياهم إن كانت مصلحة قرطبا تتأمن بترشيح مارتينوس، فأتى جوابهم سلبياً». المشكلة «ليست شخصية مع مارتينوس، فهو من خيرة شبابنا، إلا أنه غير متفرغ للعمل البلدي». يُتهم العقيد بأن معارضته سببها العمل لإعادة ترشيح شقيقه، رئيس البلدية السابق، إميل كرم. يردّ بأنه «خلال الإجتماع الذي عُقد في منزله ليل الثلاثاء مع الأحزاب، طلب منهم اختيار أي شخص آخر مُتفرغ لخدمة قرطبا، بعدما رفض إميل الترشح».
أحد المرشحين إلى عضوية البلدية يرى أن أبرز العراقيل التي تؤخر الاتفاق «إسم مارتينوس وكونه لا يحضر في قرطبا سوى ثلاث مرات سنوياً. وإنمائياً، لا شيء يُذكر».
الاتفاق بين رئيس القوات سمير جعجع والنائب ميشال عون أرخى بظلاله فوق قرطبا، حيث وقّع الطرفان «عقداً مارونياً»: هما معاً في أي قرار يُتخذ. ويقول مسؤول القوات هادي مرهج إنّ «اتفاق النوايا سهّل البحث في صيغة توافقية في قرطبا». أما مسؤول هيئة التيار عبدو صقر، فيؤكد: «ما بدنا نعمل معركة».
على الرغم من اعتبار مرهج أنّ حظوظ التوافق «تخطت نسبة الخمسين في المئة»، لكن الحزب يطلب ضمانات عدّة قبل «مهر» الاتفاق بتوقيعه. من ضمن الشروط: اختيار أعضاء من أصحاب الإختصاص وإدخال تعديلات إلى بعض اللجان وتحسين أداء رئيسها. علماً أن القوات ممثلة في المجلس الحالي، وهي لم تُسجل اعتراضها على أي مشروع أقر طيلة الست سنوات. لا يُنكر مرهج وجود «ملاحظات تتعلق بأداء مارتينوس الإنمائي، نحاول علاجها»، مع تشديده على هدف «تجنيب البلدة معركة. نريد اشراك الجميع وتشكيل مجلس بلدي كفؤ».
على جبهة حزب الكتائب، الهدوء سيّد الموقف. حاول في إجتماع الثلاثاء إحراج التيار الوطني الحرّ عبر طرح «خوض معركة إذا قرر التيار ذلك». إلا أن مسؤول الإقليم روبير كرم يقول إن الحزب «منفتح على الجميع». يتحدث «عن مساع لتشكيل لائحة توافقية. شرطنا أن تشمل كلّ الأطراف».
قرطبا هي عبارة عن حارتين: شمالية وجنوبية. فخر أبنائها أنها ثاني قلم في قضاء جبيل «وأكبر قلم ماروني»، تضم ستة آلاف منتخب تقريبا، يقترع منهم قرابة الـ3800 شخص. أما أكبر عائلاتها، فهي: السخن، بيروتي، كرم، خوري، شليطا، عطالله وصقر. من الانتقادات التي يواجهها مارتينوس أنه يغيب ست سنوات عن بلدته ويعود في السنة الأخيرة «ليُقنع الناس عبر ماله الإنتخابي». يُستفز سيمون كرم من هذه التهمة: «نأسف إن كان هؤلاء يعدّون أنفسهم معروضين للبيع». يعترف بأنّ مارتينوس غير قادر على مواكبة يوميات الناس، وضعف الخدمات سببه الشحّ المالي، «فمدخول البلدية 30 مليون ليرة، فيما لدينا 120 مليون ليرة معاشات موظفين». «البحبوحة» أتت في آخر سنتين «حين قبضنا عائدات الخلوي والصندوق المشترك للبلديات واستملاكات سدّ جنة، فباشرنا صرف الاعتمادات من أجل مشاريع بقيمة مليون ونصف مليون دولار». من ضمن الأعمال: «تلزيم المرحلة الأولى لمدخل طريق السانت تيريز. حديقة ومدخل قرطبا. صرف اعتمادات لانشاء حائط دعم كنيسة السيدة، إضافة إلى أن البلدية كانت الداعم لمهرجانات قرطبا». (حاولت «الأخبار» التواصل مع مارتينوس الذي كان يرد على الهاتف مدعياً أنه شخص آخر، قبل أن «يُقر» في الاتصال الثالث أنّ «الريس» يتكلم، واعداً بمعاودة الاتصال بعد ساعة. لكن مرّ أكثر من 24 ساعة من دون أن يعاود الاتصال).