Site icon IMLebanon

متوافقون على الاختلاف

كم يملك نظامنا القائم من عجائب وغرائب غير قابلة للتفسير، أو للتحليل، فحين تستمع الى آراء الكتل السياسية في البلد، تستنتج أنّ الجميع متّفق على الامور الأساسية والتي لا جدال حولها، بل أكثر من ذلك يسارعون الى إلقاء مطوّلات تُقدّس هذه الأمور الاساسية، ولكن حين تنظر الى أرض الواقع ترى أنّ تلك النظريات تبخَّرت وأنه لم نقدر فعلياً على تحقيق إنجاز وحيد منذ استقلال لبناننا العظيم حتى اليوم.

نجاهر بنظريّاتنا الاقتصادية والاصلاحية ولكن حين يقترب التنفيذ يستكين الجميع وتتوقف الإنجازات ويستمرّ الخلل الجميع متّفق على اللامركزية الإدارية، هذا الحلم الذي أقرَّه اتفاق الطائف وتوافق عليه كلّ الافرقاء السياسيين، وتبنّته كلّ الأحزاب، إلّا أنه حين يأتي وقت التطبيق تراه يتيماً وحيداً من دون أيّ معين، في حين لا زلنا نغرق في نظام غير فاعل يهمّش المناطق ويزيد نزوح القرى، ويخنق المدن ويقدّس الحصريات.

الجميع متوافق من دون استثناء على المحكمة المالية للنظر في الجرائم والسرقات المالية في لبنان، اسأل السؤال ويسأله معي كلّ لبنان، لماذا لا تُقرّ هذه المحكمة؟

الجميع متوافق على ضرورة إقرار قانون جديد للانتخابات، وعدم الاستمرار في القانون الاسود أيْ قانون غازي كنعان، وعلى رغم ذلك لا يتمّ البحث في القوانين المطروحة والتي يجب أن تكون مادة حوار يومي.

جميعنا نُصرّ على إيصال الرجل الافضل الى أيّ موقع كان ولكن في وقت التنفيذ يتّضح أنّ هذه النظريات هي مجرّد شعارات في الهواء لا أكثر ولا أقل. ولا يأتي إلّا المستزلم «الزحفطوني».

الجميع متوافق على ضرورة مكافحة الفساد وتطبيق الشفافية، والدراسات التي تقدّمت في هذا المجال تشابه الى حدٍّ ما «المدينة الفاضلة»، إلّا أنه إذا قمنا بتقويم الإنجازات، نرى أنّ ما تحقّق حتى الآن في هذا المجال خجولٌ وخجولٌ جداً، الى حدّ أنّ مؤشرات لبنان في الشفافية تنخفض عاماً بعد عام من دون أن ينزعج أحدٌ من انهيارنا المستمر.

ففي العلن الجميع دعم قانون الإثراء غير المشروع وعبّر عن عدم اعتراضه وكيف أنّ هذا القانون ضروري لتثبيت الشفافية ولكن ما زال هذا القانون في حكم المعلّق ولم يبصر النورَ حتى اليوم.

أما المطلب الأساس الذي يضمن الشفافية هو قانون الحقّ في الوصول الى المعلومات ويهدف هذا القانون إلى تعزيز الشفافية في الإدارة والمساعدة على مكافحة الفساد من خلال تمكين كلّ شخص من ممارسة الحقّ في الوصول الى المعلومات لدى الإدارات والوزارات وغيرها، والاطلاع عليها وفق أحكام هذا القانون وخصوصاً تلك التي تتعلّق بصرف المال العام. الجميع موافق، دولة الرئيس تمام سلام طلب في أول اجتماع تشريعي لحكومته مراجعة بعض النقاط واختفى القانون.

بعد إقرار القانون «يصبح في إمكان أيّ شخص الاطلاع على المستندات والعقود من المؤسسات العامة، والاطلاع على الأموال المدفوعة ومعرفة كيف ولماذا دفعت، وبذلك تصبح هناك شفافية كبيرة داخل الدولة، وتزداد أهمية الموضوع في بلد مثل لبنان لا توجد فيه موازنة ولا قطع حساب».

لقد توافق الجميع على أهميّة هذا القانون، وعلى رغم ذلك لا يزال مشروع القانون رهينة لدى رئاسة مجلس الوزراء، وترفض إحالته الى المجلس النيابي لإقراره.

نعم لا زلنا نغرق في النظريات ونرفض القيام بإجراءات فاعلة تُترجم إنجازات حقيقية، وما زلنا نغضّ الطرف على الكثير من المخالفات الفاضحة، فجميعنا نعرف أنّ هناك إدارة مرفأ تتقاضى ضرائب سيادية لا تُحوَّل الى الخزينة العامة، وأنّ هناك عقدَ سوق حرة انتهت صلاحياته وبات بحكم المخالف للقانون، وأنّ هناك مزراباً حقيقياً في عمل الجمارك اللبنانية.

نعرف جيداً المخالفات التي لا تُحصى في مطار بيروت الدولي والفوضى المنظَّمة، نعرف جيداً الخلل في إدارة موضوع النفايات وطريقة معالجته، نعرف جيداً أنّ اقتصادنا غيرُ منتج وأنّ هناك حاجة الى توفير مئات فرص العمل سنوياً للخرّيجين. نعرف جيداً الخططَ اللازمة للوصول الى كهرباء 24/24.

نُدرك جيداً حجمَ السرقات والسمسرات اليومية في قطاعنا العام، نعرف المشكلات المتزايدة في الاستيراد والتصدير، نعرف الخللَ في مدارسنا الرسمية، وفي نظامنا الاستشفائي، وفي ضماننا الاجتماعي. نعرف أننا لم نستطع تطبيقَ قانون السير وهو أبسط القوانين في حين يُجاهر وزير داخلية سابق أنّ نصفَ العناصر يعملون كسائقين ويشترون الخضار والفاكهة.

وللأسف نعرف قانون منع التدخين في الأماكن العامة والذي اصبح كأنه لم يُبصر النور بالأساس، وأخيراً نعرف جيداً الاحتكارات من الكازينو الى الطيران مروراً بكلّ احتكارات القطاع العام. كلها فضائح واضحة وليست اسراراً نووية والجميع موافق على معالجة المذكور ولا علاج في الأفق.

نجاهر بنظرياتنا الاقتصادية والاصلاحية ولكن حين يقترب التنفيذ يستكين الجميع وتتوقف الإنجازات ويستمرّ الخلل. ونعود الى المحاصصة بأشكالها وأنواعها البغيضة، وكأنّنا محكومون باستمرار هذه الفوضى المنظمة، وكأنّ هناك لعنة أُلقيت على لبنان تجعلنا عاجزين عن القيام بأيّ إنجاز يُذكر.

المقال ليس للنّق وليس لفتح الجراح ولكن لإعادة التذكير بأنّنا لم نتقدّم بعد قيد أنملة، وأننا نخسر يومياً العديد والعديد من الفرص المهمة، ونحتاج الى wake up call يعيد القطار الى سكته الصحيحة. وأكثر من ذلك انتخابات نيابية في أسرع وقت ممكن وشعب يحاسب.