Site icon IMLebanon

إرباكات لبنانية بين اندفاعتَي إسرائيل وإيران

   

 

تضاعفت في الأيام الأخيرة موجبات الحذر من أيّ مفاوضات يمكن أن تنتهي إليها حرب غزة. فبين اندفاعتَي إسرائيل وإيران، يصبح الوضع اللبناني أكثر إرباكاً في ظلّ غياب مرجعية القرار

 

يتعاطى لبنان الرسمي مع تداعيات حرب غزة كأنها انتهت، أو بالحدّ الأدنى كأنها على وشك الانتهاء. لكن ما يصل غربياً يعاكس ذلك تماماً، إذ إنّ هناك رؤية غربية تتفهّم ما تريده إسرائيل وترفض بسببه أيّ محاولات لتخفيف وقع ما يجري، لا تشبه السردية اللبنانية القائمة على أن لبنان محيّد، بفعل الضغوط الخارجية، عن تبعات ما جرى في 7 تشرين الأول. في الأيام الأخيرة، استعادت إسرائيل ضغطها الإعلامي الغربي في مواجهة أسابيع من الحراك العربي والفلسطيني الذي أحدث ضغطاً تصاعدياً ضدّ ما تقوم به إسرائيل في غزة. الحملة الإسرائيلية، السياسية والإعلامية المضادّة القائمة على نظرية تؤكد عدم تجاوز ما حصل بسهولة ولسنوات الى الأمام، تعني لبنان كما تعني الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.لم تخرج الرسائل الغربية الى لبنان عن دائرة التأكيد أنّ أيّاً من الدول التي ترعاه عادة غير مستعدة للتفريط به، وأن المحاولات الأميركية والأوروبية – بما فيها الفرنسية – تنصبّ على تحديد ضوابط للاشتباك الحدودي، ومنع تفلّته الى حرب واسعة تتعدّى الخطوط الحمر التي لا تزال موضوعة. مع ذلك، فإنّ الحذر الغربي والأميركي من ردّة الفعل الإسرائيلية قائم بقوة. فما تريده إسرائيل قد لا يكون محصوراً بمدّة زمنية قصيرة، لا بل إن الأفق مفتوح أمامها، والضغط السياسي الداخلي قابل لأن يتحوّل، عند أي احتكاك خارج الأطر المتعارف عليها منذ 7 تشرين الأول، الى ما لا يمكن لأيٍّ من الدول الغربية التدخل بسرعة للجمه. والمفارقة لدى ناقلي الرسائل أن هناك نزعة لبنانية للتخفيف من وقع الاندفاعة الإسرائيلية والتقليل من مخاطرها على المدى المتوسط، باعتبار أن توازن الردع قائم وعلى تقاطع مع تنشيط خط التفاوض الإقليمي والدولي لحماية لبنان.

 

في خط موازٍ، يصبح الدور الإيراني حاضراً بقوة في المجالَين الميداني والتفاوضي. منذ شهرين، وبعد مفاجأة اللحظة الأولى لعملية حماس، تقدّمت إيران في الحركة التي قامت بها عربياً ودولياً، وفي لبنان. تدريجاً، حصد دورها في لبنان وما يمكن أن يكون عليه موقع حزب الله في احتمالات توسّع الحرب اهتماماً، لأنه بدا في لحظات أساسية قائماً على تحديد أطر للحرب ومنع توسّعها. ومن ثم دخلت عوامل أخرى على خط الدور الإيراني في المنطقة، لكن لبنان بقي متصدّراً. فالورقة الحوثية تعني دول الخليج العربي والمنطقة، وفيها تتداخل عوامل دولية، بعد استهداف الناقلات. وورقة استهداف الأميركيين في العراق لها حدودها وضوابطها مع فرض الحكومة العراقية إيقاعاً واضحاً. وبعدما حيّدت سوريا نفسها وجرى تحييدها منذ شهرين، يصبح حزب الله في لبنان الأكثر حضوراً، لأن لا شريك لإيران فيه. وتالياً، فإن معاينة تدرّج موقع حزب الله في اللعبة الإقليمية وفي الحرب الدائرة، يأخذ منحى مختلفاً لأنه الأقرب الى بلورة رؤية ما تريده إيران في لبنان والمنطقة.

بين اندفاعتَي إسرائيل وإيران، تصير النظرة الى الحراك القائم إقليمياً والمفاوضات التي تأخذ بعداً دولياً، أكثر جدية بالنسبة الى مستقبل لبنان. ففي نهاية الأمر، سيتم بحث وقف الحرب في غزة، وسيكون لبنان تبعاً لذلك عنواناً أساسياً في التفاوض الذي بدأت توضع بعض أسسه. وهنا تبرز ملامح القلق اللبناني مع بعض الإشارات الغربية.

خصوم حزب الله المحلّيون لا قدرة لهم على القيام بخطوات جدّية في مواجهة ما قد يكون مطروحاً على الطاولة

 

ثمة اعتراف بأن خصوصية لبنان السياسية والطائفية لا تزال تمثّل حلقة متينة في وجه أيّ محاولة لتطبيق أعراف جديدة عبر مفاوضات تأخذ في الحسبان توازنات مستجدة، وتمنع تفلّت اللعبة بالكامل. فلبنان ليس سوريا أو العراق أو اليمن، من دون أن يمنع ذلك مخاوف من استعادة وقائع تفاوض سابقة ومقايضات أدّت الى تبدّل التوازنات الداخلية. ومع بقاء الحذر قائماً، تطرح تساؤلات خارجية من لبنان الى المنطقة عن القوى التي قد تقف في وجه أيّ محاولات للاستئثار بالوضع اللبناني من جانب إيران، إذا أدت أي مفاوضات الى التسليم بذلك، في حال قدّمت تسهيلات في سبيل تطبيع الوضع الإقليمي. هناك اعتراف غربي بأن دول المنطقة الفاعلة، والسعودية من بينها، لم تتمكن من تحقيق هذا التوازن المطلوب، على مدى سنوات، وهذا لا يمكن تخطّيه في أيّ مفاوضات لها صلة بلبنان أو غيره. أما بالنسبة الى لبنان تحديداً، فالتساؤلات تدور، في غياب أيّ مرجعية قرار واضح، عن قدرة خصوم حزب الله على القيام بخطوات جدية في مواجهة ما قد يكون مطروحاً على الطاولة، أو حتى في فرض إيقاع مختلف داخلياً من الآن وحتى تنضج المفاوضات. ومع الاعتراف بأنّ أقصى ما جرى تحقيقه في الوقت الراهن، ومنذ ما قبل حرب غزة، حملة سياسية مضادّة، ورفع بعض القوى شعارات الفيدرالية، أو حتى التسليم بعمق الانفصال بين فريقين، وبرز أخيراً حتى في نقاش تطبيق القرار 1701 ببعدَين مختلفين جذرياً بين حزب الله وخصومه، إلا أنّ هناك عجزاً عن التقدم خطوة الى الأمام والحضور بجديّة في أيّ نقاشات خارجية حول مستقبل لبنان. وسيكون من الصعب على أيٍّ من الأطراف المفاوضين أن يأخذ مصالح أفرقاء هم أنفسهم تخلّوا عن دورهم، ولا سيّما أن أيّ تفاوض في المدى المنظور مرجّح لأن يأخذ في الحسبان ما تريده إسرائيل وإيران، كلٌّ على حِدة.