اعتبارات وعوامل واقعية تصبّ في خانة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة دون غيره
التفاهم السياسي حول شخصه وترؤسه لأكبر كتلة نيابية وحيازته لثقة الداخل والخارج معاً
التوافق على تسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة قد يسهّل ويسرّع عملية التشكيل
توقعت مصادر سياسية بارزة توافق معظم الكتل النيابية الأساسية على تسمية زعيم تيّار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، بالرغم من محاولة بعض هذه الكتل ربط هذه التسمية بتلبية مسبقة لشروطها ومطالبها المرتفعة السقوف أو عقد اتفاقات وتفاهمات سياسية معها حول كيفية إدارة السلطة في المرحلة المقبلة، وهي مطالب ليست مستغربة وتطرح في بعض الأحيان قبل تأليف أي حكومة جديدة ولن تؤدي الى عرقلة التسمية المرتقبة، الا إذا كانت هناك نوايا مبيتة سلفاً لعرقلة عملية تشكيل الحكومة ككل كما كان يحدث أبان حالات التشنج والاشتباك السياسي الحاد الذي كان سائداً في مراحل سابقة.
وفي رأي المصادر السياسية ان هناك اعتبارات عديدة تصب في خانة تزكية تسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها وأولها ترؤس رئيس الحكومة الحالي لأكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي ومن ضمنها معظم النواب السنة حتى بعد تراجع اعداد نواب الكتلة إلى ما هو عليه حالياً، في حين لا تتوافر مثل هذه المواصفات في أي شخصية سنية من النواب الآخرين المنتخبين وكلهم فازوا بمفردهم أو على اجنحة تحالفات لطوائف ومذاهب أو أحزاب أخرى ولا يتمتعون بالحد الأدنى من الثقل الشعبي للرئيس الحريري المنتشر على معظم الأراضي اللبنانية، من الشمال إلى بيروت والجبل والبقاع وصيدا والجنوب حسبما ظهر ذلك جلياً خلال الانتخابات النيابية أو اللقاءات والمهرجانات والمناسبات التي رافقتها.
وثاني هذه الاعتبارات، التفاهمات السياسية التي أرساها الرئيس الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس نبيه برّي وغيره من الأطراف الأساسيين والتي أدّت إلى تحقيق إنجازات واتخاذ قرارات في ملفات مهمة ومعقدة كانت مؤجلة لسنوات خلت بفعل الخلافات السياسية ومنها ملف النفط، النفايات، الموازنة، التعيينات الإدارية وغيرها وصولاً إلى نجاح الرئيس الحريري من خلال علاقاته المميزة مع الخارج وعمله الدؤوب في تحقيق عقد مؤتمر «سيدر» الذي قرّر تقديم قروض ومساعدات ميسرة للبنان بمبالغ قاربت 12 مليار دولار أميركي لتنفيذ سلسلة مشاريع مهمة وحيوية على امتداد الأراضي اللبنانية، وهذا يتطلب وجود الرئيس الحريري على رأس الحكومة المقبلة لاستكمال جميع الخطوات المتبقية لوضع مفاعيل المؤتمر المذكور موضع التنفيذ العملي للمباشرة بعملية النهوض الاقتصادي الذي لا يحتمل التأجيل، في حين ان تسمية أي شخصية سنية أخرى لرئاسة الحكومة لن تكون مبعث ارتياح للداخل والخارج معا، وتعطي إشارات سلبية قد تؤدي إلى تعثر تنفيذ مقررات «سيدر» وهو بالطبع سينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي الداخلي ويعيق عملية النهوض المطلوبة.
ثالثاً، الثقة التي يوحي بها وجود زعيم «تيار المستقبل» على رأس الحكومة المقبلة وهي غير متوافرة عند المرشحين الآخرين لرئاسة الحكومة، وقد تجلّت هذه الثقة وترسخت لدى المواطنين خلال تولي رئيس الحكومة الحالي لحكومة الوحدة الوطنية بعد انتخابات عام 2009 ونسبة النمو التي بلغت ما يقارب الثمانية بالمائة، في حين تراجعت هذه النسبة وتردّت الأوضاع الاقتصادية بعد تولي الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة بدعم مباشر من حزب الله يومذاك إلى الحدود الدنيا كما هو معلوم للقاصي والداني معا، وتكررت هذه الحال ابان أزمة استقالة الرئيس الحريري في تشرين الثاني الماضي وما تخللها من تراجع ملحوظ في كل مؤشرات الوضع الاقتصادي والتي تعافت بعد عودة رئيس الحكومة الحالي عند استقالته.
وتُشير المصادر السياسية إلى انه إضافة إلى هذه الوقائع والاعتبارات، تبقى ان تجربة ترئيس شخصية سنيّة أخرى لرئاسة الحكومة بالقفز فوق موازين القوى السياسية القائمة حاليا كما حصل في السابق بعد الانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية في العام 2010، لم يكن ناجحا ولا مشجعا لكل القوى السياسية حتى المخاصمة لرئيس الحكومة الحالي والتي تضررت من تراجع الوضع الاقتصادي والأمني طوال الفترة السابقة، بينما تحتم التطورات المتسارعة اقليميا والمخاطر المحتملة جراءها ضرورة اتخاذ الإجراءات المطلوبة للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي والتوافق على تسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا التوافق قد يسهل ويسرع عملية التشكيل بالرغم من تعدد المطالب والشروط لأن الجميع متفق على تفادي التأخير والغرق في طرح المطالب المستحيلة خشية مداهمة مستجدات سلبية قد تنعكس ضرراً على لبنان كلّه وهذا ما يتجنبه جميع الأطراف كما هو ظاهر حالياً.