لا نصاب في الجلسة السادسة والثلاثين، يعني لا إنتخاب رئيس، طالما أن حزب الله ما يزال مصرّاً على فرض مرشحه العماد ميشال عون بالقوة، وطالما أن هناك أكثرية نيابية تفوق السبعين نائباً ما زالت تقول لا، وتؤيّد مرشّح تيّار المستقبل الوزير السابق سليمان فرنجية، واللاإنتخاب رئيس للجمهورية، هي العنوان الوحيد الذي اقتنعت به الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، ناهيك عن معظم القيادات السياسية والحزبية من كلا الفريقين المتنازعين على السلطة والذين توصّلوا إلى قناعة شبه تامة بأن الوضع في البلد سيبقى على حاله، بلا رئيس جمهورية، وبلا مجلس النواب، وإن كان مُدّد له، وحكومة عاجزة إلى أن تتوضح صورة الأوضاع ليس في سوريا وحدها التي دخلت مرحلة جديدة قد تفضي إلى تسوية سياسية تقوم على الفيدرالية كما ألمح أحد المسؤولين الروس بل تشمل البلدان التي تشهد نزاعات مذهبية وعرقية وطائفية كالعراق مثلاً، ولا يمكن لأحد من المطلعين على تطورات الأحداث أو من المستشرفين أن يتكهّن بالمدة التي تستغرقها الاتصالات الجارية حالياً بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبعض الدول الأوروبية للوصول إلى مثل هذه التسوية في الإقليم، خصوصاً وأن إيران التي تراجع دورها بشكل ملحوظ لا زالت في وضع يسمح لها بأن تخربط وبالأحرى بأن تعيق الاتفاق نظراً لوجودها القوي والفعّال في سوريا والعراق اللذين تشكل التسوية فيهما مدخلاً إلى التسويات في معظم الدول العربية التي ما زالت تشهد إضطرابات وعدم استقرار منذ ثورة الربيع العربي، الأمر الذي جعل حزب الله يتريّث كما قال رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري في اتخاذ موقف إيجابي من الاستحقاق الرئاسي من شأنه أن يحيّد لبنان عن صراعات المنطقة التي بات الحزب يُشكّل أحد أطرافها الأساسيين بحكم ارتباطه بالمشروع الإيراني، وتدخّله العسكري في الصراعات الدائرة في الإقليم.
لكن حزب الله الذي يعطّل الانتخابات الرئاسية ويحرم لبنان من الاستقرارين السياسي والأمني بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في الإقليم إستطاع حتى الآن من ترجمة مشروعه الأساسي في إعادة تكوين السلطة على يد هيئة تأسيسية تتولى هذه المهمة تحويل هيئة الحوار الوطني التي شكّلت للبحث في كيفية الخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية إلى ما يشبه الهيئة التأسيسية وهدفها إعادة تكوين السلطة وقد شكّلت ممارساتها حتى الآن سواء على صعيد إصدار التعليمات إلى الحكومة في ما يتعلق بالقضايا العالقة أو على صعيد وقف التشريع في مجلس النواب والذي يُشكّل مهمته الأساسية وفق النظام القائم وكما ينص دستور الطائف الذي ارتضاه اللبنانيون لأنفسهم بعد حرب دامت أكثر من خمسة عشر عاماً، إلا في الحالات الاستثنائية جداً التي يسمح بها الحزب بحيث حلّت هذه الهيئة محل كل المؤسسات الدستورية القائمة إلى أن تتحوّل بعد فترة من الزمن تطول أو تقصر حسب تطورات الأوضاع في المنطقة إلى أمر واقع يرضخ له الجميع، وتتولي مهمة إعادة تكوين السلطة بالشكل الذي يناسب الحزب سواء لجهة المثالثة أو غيرها من المعادلات التي يقتضيها هذا المشروع الذي لم يتراجع الحزب عنه، وإن كان أشار أمينه العام في أحد خطبه إلى احترامه لاتفاق الطائف.