كثر الكلام عن مؤتمر تأسيسي هذه الأيام. البعض يتخوف على إتفاق الطائف والبعض يرى أنه يجب أن يتحضر لطرح الفيديرالية والبعض يستغله للدعوة إلى جبهة بين حلفاء الأمس للتصدي معا لهذا الأمر المقلق الذي قد يطيح بطوائف ومذاهب ومعادلات.
إن هذا الكلام يتطلب إبداء الملاحظات التالية:
1) إن الاحتلال السوري بسط سلطته جزئيا على لبنان خلال الجمهورية الأولى وبشكل كامل خلال الجمهورية الثانية. فليس اتفاق الطائف هو الذي سمح لنظام الأسد بالتحكم بلبنان بل الوضع الدولي والإقليمي هو الذي أعطاه اليد الطولى فيه. ولو كان لبنان في الجمهورية الأولى لما كان الوضع ليختلف. فالمحتل «يطبق» الدستور وفقا لمصلحته وعبر طبقة سياسية خاضعة له.
2) إن صاحب السلطة الفعلية اليوم هو حزب الله الذي يمثل الإحتلال الإيراني للبنان. وهو بسلاحه ومن خلال خضوع الطبقة السياسية المارقة بكافة مكوناتها له، يتحكم بمؤسسات الدولة كافة. وهو ليس بحاجة إلى مؤتمر تأسيسي للإمساك بالدولة اللبنانية، ولا سيما أنه ليس بحالة ضعف وانكفاء كما يتوهم البعض لكي يكون بحاجة إلى تأمين «حصته» في الدولة وحصة الشيعة فيها.
3) ثمة وهم لدى البعض بأن إيران بصدد صفقة مع الغرب ينتج عنها التسليم بضرورة تفكيك فيلق القدس وبالتالي التخلي عن وظيفة حزب الله الجهادية. إن هذا البعض لا يدرك جوهر الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي إن قبلت بالتخلي عن مشروعها الأممي الجهادي تكون تخلت عن علة وجودها، مما يؤدي حينذاك بالضرورة إلى سقوطها. لذا، لا إمكانية لحزب الله، وهو المكون الرئيسي لفيلق القدس أن «يتلبنن» كما يعتقد البعض ويدخل نفسه في اللعبة السياسية اللبنانية بتكبير «حصة» الشيعة دستوريا عبر مؤتمر تأسيسي ينتج عقدا اجتماعيا – سياسيا جديدا.
4) إن البعض ينظر إلى تدخل دولي – إقليمي قد يحصل كما حصل عند إتفاق الطائف أو الصفقة في الدوحة. فالظروف اليوم مختلفة عن ذاك الوقت حيث كانت الأطراف السياسية وازنة ولها تمثيلها الشعبي الحقيقي وامتداداتها الدولية والإقليمية، كما أن الوضع في لبنان لم يكن كارثيا مثل ما هو الحال اليوم. لذا، إن ثمة خبث بطرح مؤتمر تأسيسي في هذا الوقت. وهو موجه ضد قوى الثورة والتغيير وهدفه تعويم الطبقة السياسية الطائفية المارقة بمكوناتها الموالية لحزب الله وتلك التي تعارضه، وهي تعارضه من تحت سقفه.
5) من المضحك – المبكي أن نرى البعض يتحرك كما لو أن الدولة موجودة. فثمة من يحلم بأن يكون رئيسا للجمهورية وثمة من يحلم أن يكون رئيسا للحكومة وثمة من يحلم بأن يكون رئيسا للبرلمان، وثمة من يحلم أن يكون وزيرا أو نائبا. وثمة من لا يزال يصدق أن الآليات الدستورية يمكنها أن تعيد إنتاج السلطة. فلبنان يعيش حالة اللادولة وليس حالة الدولة المارقة أو الدولة الفاشلة.
6) لقد وصل لبنان إلى جهنم وهو متجه وبسرعة إلى ما بعد بعد جهنم. وما يحدد مسار الأوضاع ليس المعارك السياسية من داخل «الدولة» والطروحات السياسية الرومنسية وغير القابلة للتحقيق، إنما موازين القوى، وأهم مكون له هو الميزان العسكري – الأمني، الداخلي والخارجي. وفي ظل الإدارة الأميركية الجديدة لا يزال لصالح حزب الله، أقله حتى الآن.
7) إن حزب الله، إذا بقي الوضع على حاله لن يتخلى عن الأغلبية البرلمانية من خلال السماح بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة أو غير مبكرة (البديل هو التمديد للبرلمان الحالي)، وهو سوف يجيء برئيس جمهورية حليف له ولن يشكل حكومة خاضعة له إلا حين يتحقق من أن سياسة بايدن تجاه إيران أقله مقبولة.
8) لبنان ذاهب إلى الصوملة الكاملة والنهائية، مما سوف يحوله إلى قنبلة موقوتة تهدد الأمن والاستقرار والسلام الدولي والإقليمي: الطرف الوحيد الذي سيزداد قوة وفعالية هو حزب الله في بحر من الفوضى بالإضافة إلى إمكانية كبيرة لتطور دراماتيكي خطير لوضع النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، من حيث إختراقهم من قوى إسلامية متطرفة أم من حيث هجرتهم غير الشرعية إلى أوروبا بالإضافة إلى بعض اللبنانيين.
فمن الواضح أن اللبنانيين بات لا قدرة لهم على حكم أنفسهم بأنفسهم.
الحل الوحيد (وهو صعب التحقيق ولكنه ليس مستحيلا)، إلى جانب تزخيم حركة الثورة بإتجاه تعرية الطبقة السياسية المارقة والمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية، هو بتدويل الوضع اللبناني (وبالطبع ليست السلطة المارقة القابضة على مقاليد ما تبقى من الدولة من سوف يطالب بالتدويل). كيف؟ عبر:
1- وضع القرارين 1559 و 1701 تحت الفصل السابع.
2- وضع لبنان تحت الانتداب الدولي وفق الفصل 12 و13 من شرعة الأمم المتحدة أو مقاربة وضعه تحت الانتداب من باب وحشية السلطة تجاه الشعب اللبناني وإخلال الدولة بواجباتها تجاه شعبها بضربها عرض الحائط شرعة حقوق الإنسان.
3- تشكيل سلطة عسكرية -مدنية مؤقتة تعمل تحت إشراف الإنتداب الدولي، تعلق الدستور وتقتلع رواسب محاصصات الطبقة السياسية المارقة من مؤسسات الدولة كافة.
4- عند إتمام السلطة المؤقتة عملها التطهيري، وفقط عند إتمامه، يعاد إلى العمل بالدستور ويعاد تكوين السلطة ويكون لقوى التغيير القدرة على انتشال لبنان من مأساته، ومن ثم يُرفع الانتداب.