IMLebanon

مؤتمر تأسيسي من باب النفايات

 

يكفي الاستماع إلى الشعارات التي ردّدها المتظاهرون في التحرّك الاعتراضي على خلفيّة أزمة النفايات لتبيان أنّ الذريعة هي النفايات، فيما الهدف هو إسقاط النظام.

قيادي كبير في 14 آذار طرح جملة تساؤلات وهو يتابع الأسلوبَ العنفي للمتظاهرين والشعارات التي ردّدوها والمطالبة بإسقاط الحكومة والمجلس والنظام السياسي، أيْ اتفاق الطائف، وقد تمحورت تساؤلاته حول الآتي: هل بإسقاط النظام تُعالَج قضية النفايات؟

ومَن سيتولّى رفع النفايات في حال إسقاط النظام؟ وهل طابع التحرك المطلبي الاحتجاجي يكون سِلميّاً أم عُنفيّاً؟ ولماذا استخدامُ العنف إذا كان الهدفُ الضغط على الحكومة لتسريع البتّ في ملف النفايات؟ ولماذا تمّ استدراج القوى الأمنية إلى المواجهة؟ ومَن أطلق النار على المتظاهرين؟

وأين المصلحة باستهداف القوى الأمنية التي باتت تشكّل الضامنَ الوحيد للاستقرار؟ وهل المطلوب إسقاط الشرعية أيضاً عن المؤسسات العسكرية على غرار ما حصل عشية الحرب اللبنانية؟

وهل ملاقاة التحرّك بإقفال الطرقات في بعض المناطق كان بريئاً أم منظَماً؟ وهل تزامُن الاشتباكات في مخيم عين الحلوة وتمدُّدها هو محض صدفة؟ ولماذا لم يُصَر إلى تطويقها سريعاً كما كان يحصل في كلّ مرة؟

وأضاف القيادي نفسه: عندما تحرك الناس في الأسابيع التي تلت اغتيال الشهيد رفيق الحريري وصولاً إلى انتفاضة الاستقلال كان تحركها سِلميّاً ولم تحصل «ضربة كف» واحدة، وبالتالي لا يمكن تفسير شكل التظاهرة والأسلوب المستخدَم فيها والشعارات المرفوعة إلّا بكونها تنمّ عن مشروع انقلابي موصوف، وذلك حتى تبيان العكس.

وقال القيادي نفسُه لا خلاف بأنّ مقارَبة ملف النفايات كانت كارثية، ودلّت على غياب الخطط الاستباقية والجدّية المطلوبة، في ظلّ إهمالٍ موصوف في ممارسة المسؤولية. ولا خلاف أيضاً بأنّ أيّ تحرك مطلبي هو أمرٌ مطلوب ويلقى كلَّ الدعم والتشجيع من قبلنا، ولكن ما رأيناه خرج عن إطار التحرّك المطلَبي، الهادف إلى تسريع الحلول، وذلك نحو عناوين سياسية كبرى من قبيل أنّ «الشعب يريد إسقاط النظام».

ورأى أنّ ما حصل ويحصل لا يمكن وضعه إلّا في سياق المشروع الانقلابي الكبير الذي يرتكز على الآتي:

أولاً، كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن الدخول في مرحلة التسويات التي تستدعي تسخيناً للأوضاع من أجل ولوج هذه التسويات، وبالتالي ما يحصل لا يخرج عن هذا السياق.

ثانياً، ما حصل ويحصل اليوم في وسط بيروت يشكّل نسخة منَقَحة عن ٧ أيار ٢٠٠٨، إنما 7 أيار شعبي هذه المرة، حيث إنّ الأحداث التي وقعت في ذاك التاريخ كانت من طبيعة أمنية ترمي إلى تحريك الأوضاع السياسية من أجل أخذ البلاد إلى تسوية سياسية، وهذا ما حصل بالكمال والتمام مع اتفاق الدوحة الذي نجح فيه «حزب الله» بوَقْف مفاعيل انتفاضة الاستقلال عبر انتزاع حقّ الفيتو في مجلس الوزراء، أيْ تعطيل السلطة التنفيذية، هذه السلطة التي ما زالت معطَلة إلى اليوم.

ثالثاً، الظروف المتصلة بالفتنة المذهبية وصعود التطرف ّالإسلامي لا تسمح لـ»حزب الله» بإعادة استخدام سلاحه على غرار ما حصل في 7 أيار 2008، لأنّ أيّ محاولة من هذا النوع ستعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه إبان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لناحية التوتر السني-الشيعي وعودة محتمَلة، لا سمح الله، للتفجيرات الى داخل البيئة الشيعية، الأمر الذي يريد الحزب تجنّبَه بأيّ ثمن، وبالتالي كان أمام خيارين أو ورقتين ليتلطّى خلفَهما:

الورقة الأولى تمثلت في التلطي بالحراك العَوْني ورفض عزل عون وشطبه سياسياً، ولكن سرعان ما أظهرت هذه الورقة محدوديتها وعدم فعاليتها وانتهاء صلاحيتها، وبالتالي وجد نفسه مضطراً الى استخدام ورقة جديدة.

الورقة الثانية تمثلت في التلطي بالحركة الاحتجاجية تحت عنوان النفايات، وقد لاقى هذا العنوان تعاطفاً نسبياً مقارنة مع العنوان الأول الذي لم يحصد أيّ تعاطف.

وانطلاقاً من ذلك وجد الحزب أنّ الورقة المطلَبية قابلة للاستخدام، وقادرة أن تكبر ككرة الثلج من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة. وإذا كان التحريك في 7 أيار 2008 من طبيعة أمنية، فهو اليوم من طبيعة شعبية، بمعنى 7 أيار شعبيٍّ يرمي إلى إسقاط النظام لأخذ لبنان إلى اتفاق جديد.

رابعاً، التطوّرات التي تحصل في اليمن والعراق، وذلك من انحسار نفوذ الحوثيين بشكل تدريجي، إلى التظاهرات التي تهدّد السلطة السياسية العراقية الحليفة لإيران، دفعت طهران إلى الرد في بيروت، هذا الرد الذي قد يحمل بالحدّ الأدنى رسالة إلى المجتمعَين العربي والدَولي بأنّ سقوط اليمن أو بغداد سيؤدّي إلى سقوط بيروت في يد محور الممانعة، وبالحدّ الأقصى ترجمة فعلية استباقية للمخطط الرامي إلى أَخذ البلد نحوَ مؤتمر تأسيسي في هذه اللحظة بالذات خشية من أن تؤدّي التطوّرات اللاحقة إلى سقوط بيروت أيضاً، ولكن هذه المرة بيد محور الاعتدال.

وشدّد القيادي الكبير في 14 آذار على أنّ فريقه السياسي سيواجه أيَّ محاولة انقلابية من هذا النوع، وأكد أنّ إسقاطَ النظام هو خطّ أحمر، كما أنّ إسقاطَ اتفاق الطائف هو خطّ أحمر، وقال: لن نسمح بسقوط الهيكل اللبناني، ودعا إلى انتخاباتٍ رئاسية فَوْرية تُعيد انتظامَ عمل المؤسسات الدستورية، خصوصاً أنّ جزءاً واسعاً من الخلل في الوضع السياسي سببه الفراغ الرئاسي.