Site icon IMLebanon

“إقتتال” دستوري

 

واهِمٌ من يعتقد ان ما يجري من تكالب على الحصص والوزارات في الحكومة “الأديبية” العتيدة جزء من اللعبة البرلمانية التي تقوم أساساً على المعارضة والموالاة، وتتيح الخلاف المحفّز على الرقابة النيابية في دولة تحكمها طبقة سياسية تستحق الاحترام.

 

الصراع المانع تشكيل الحكومة، مثل آلية تسمية الرئيس المكلف والمشاورات الرئاسية وعقدة التمثيل الشيعي، يحصل خارج المعايير الديموقراطية أو المصلحة الوطنية والآليات الدستورية. هو “مصارعة حرة” يربح في نهاية الأشواط مَن كسر ظهر الخصم أو أجبره على “آخ”.

 

لم تكن الحياة السياسية يوماً منزّهة عن شوائب، لكن الولاءات الخارجية والمشاريع فوق الوطنية نَكَبت لبنان، وأضافت الى الطائفية والفساد أبعاداً جهنمية. وإذ خاب الأمل الذي لاح في “اتفاق الطائف” بإرساء النظام على قواعد مقبولة بفِعل تحويل الوصاية السورية الدستورَ الى خرقة وأتباعَها الى ممسحة، فإن هذا الأمل انطفأ بعدما كرَّس “اتفاق الدوحة” التعطيل بقوة السلاح شريكاً مضارباً في كل مفاصل الحياة والاستحقاقات.

 

كل الاتصالات والمشاورات بدءاً من ترشيح “رؤساء الحكومات” لمصطفى أديب شكلياتٌ وكلام مرسل وحواشي متنِِ هو ميزان القوى المحكوم بسياسة “الكسر والخلع” التي يمارسها “الثنائي الشيعي” لفرض أعراف لم تَرد في كتاب. وعلى وقع التفاهمات أو الخلافات أو التقاطعات بين اللاعبين الخارجيين من جهة، وقدرته على المغالبة الداخلية من جهة ثانية، يقرر “الثنائي” متى يمنح اللبنانيين فرصة لالتقاط الأنفاس أو يتكرّم بفسحة لجرعة اوكسيجين توقف مسار الانهيار.

 

لا أمل بعودة الى حد أدنى من السويَّة الوطنية في ظل أي مشروع يتجاوز لبنان الكيان ودستوره، مستقياً مشروعيته من عقيدة عابرة للحدود او تحالفات تقفز فوق الدولة ومصالحها العليا. ولا يمكن الركون الى أي تسويات ما دام السلاح حاكماً للتوازن الداخلي وعنصراً فاعلاً في الصراع الاقليمي بقدر ما هو هدف يدفع ثمنه كل لبنان. صحيح أن مواجهة وهجه في تشكيل الحكومة بالموقف والثبات يمكنها تخفيف غلوائه، لكن، لا انتصاره في فرض شيعي على وزارة المال يعطي أصحابه مكسباً ميثاقياً دائماً، ولا خسارته تثنيه عن معاودة الكرة إذا قدر على استعادة “موقع” خسره أثناء القتال.

 

فرض “الثنائي الشيعي” وكل حلفائه في 8 آذار، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانتخابات 2005 على كل الفرقاء، معارك كرّ وفر بدل تداول السلطة السلمي. أحبطوا غالبية 14 آذار في مجلسين نيابيين وحكوماتها بالقوة العارية. واليوم يُسقَوْن بمثل ما سقوا به الآخرين بفعل العقوبات وتراجع ايران وانفضاح منظومة الفساد ليس على يد ثورة 17 تشرين فحسب بل ايضاً في جريمة 4 آب.

 

لن يكون تشكيل حكومة أديب نهاية مطاف “الاقتتال” الدستوري إذا بقي السلاح مانعاً التغيير وتجديد المؤسسات… الصراع على الحكومة جولة من معركة شرسة فيها قليل من الحِملان وأسد جريح افترس الحريق غابته ويتفرّج على النار.