مجزرة لاس فيغاس الرهيبة تعيد الى الواجهة أسئلة مكرّرة عن مشكلة دائمة يعاد دفنها مع الضحايا: مشكلة السلاح في أميركا. وهي أخطر على الداخل من الارهاب الذي تشغل الحرب عليه واشنطن وعواصم العالم. فكلما وقعت مجزرة ارتفعت أصوات المطالبين بحلّ جذري لمشكلة السلاح في أيدي الأميركيين أو أقله تشديد القيود على حيازته وحمله. وعندما يظهر ان المجزرة عملية ارهابية، سواء كانت منظمة مثل غزوة نيويورك على أيدي القاعدة أو من عمل ذئب منفرد متأثر بدعوات داعش، يقلّ الحرج لدى المسؤولين لأن مواجهة الارهاب أسهل من مواجهة لوبي السلاح.
ذلك ان لوبي السلاح أقوى من أي رئيس وكونغرس، أو أقله انه لا رئيس ولا كونغرس يغامر بتحديه. الرئيس رونالد ريغان حاذر مواجهة لوبي السلاح، مع انه تعرّض شخصيا لمحاولة اغتيال. الرئيس بيل كلينتون فعل أقلّ القليل مما وعد به من تشديد القيود على حمل السلاح بعد حوادث هزّت الرأي العام.
الرئيس جورج بوش الإبن تجاهل الداخل بعد أحداث ١١ أيلول وذهب الى غزو افغانستان والعراق وعولمة الحرب على الارهاب. الرئيس باراك أوباما الذي كان رأسماله انه ليس بوش الإبن أراد أن يلغي ما فعله بوش ويعمل عكسه، فحذف تعبير الحرب على الارهاب، وقال ان عدد الأميركيين الذين يموتون من الزحط في البانيو أكبر من عدد ضحايا العمليات الارهابية. والرئيس دونالد ترامب الذي جاء ضدّ أوباما حاول إلغاء ما فعله أوباما وعمل عكسه، فأعطى الأولوية القصوى في الداخل والخارج للحرب على الارهاب.
لكن التحدي المباشر بعد مجزرة لاس فيغاس هو العمل الجدّي لمعالجة مشكلة السلاح. فالمشكلة تبدأ من نص الدستور على اعتبار حيازة السلاح من حقوق المواطن، تأثرا بالطبع بالظروف التي نشأت فيها أميركا. وهي تتكامل مع ثقافة العنف التي تطبع الكثير من نواحي الحياة الأميركية. لا بل ان المجتمع الذي قام على الحرية كان ولا يزال يتصرّف على أساس ان حيازة السلاح جزء من ممارسة الحرية. والفرق كبير طبعا بين أنواع الأسلحة الفردية التي كانت متوافرة أيام اعداد الدستور وبين الأنواع الخطيرة التي في الأيدي اليوم.
والحاجة الى ثورة ثقافية ترافق تشديد القيود على حيازة السلاح وتمنع أنواعه الخطرة ففي العام ١٩١٦ جال الشاعر الهندي رابندرنات طاغور في أميركا، ثم تحدث عن مناخ مسموم بكثافة الشك والجشع والألم. وفي منتصف القرن كتب جيمس بولدوين: الأميركيون مبتلون بأعلى مستوى من الحياة وأكثر طريقة مربكة وفارغة في الحياة. واليوم ترامب في البيت الأبيض.