أزمة فرض المثالثة «عياناً بياناً» عن طريق فرض توقيع وزير الماليّة الشيعي، بعدما تمّ حصر وزارة الماليّة بالحصة الشيعيّة ليست نزاعاً حول دستوريّة مرسوم أو لا دستوريّته، هذا المأزق كان متوقعاً منذ أزمة تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، ثمّ تكريس هذه الحصرية مع أولى حكومات عهد الرئيس ميشال عون عندما دخلت الرئاسة الثانية على خط التشكيل وفرضت حصريّة استرداد وزارة الماليّة وحصرها بالطائفة الشيعية، مع التذكير بفرض توزيع وزارة الأشغال لحصة المردة وسليمان فرنجية من الحصة الشيعيّة أيضاً!
منذ العام 2005 عرقلت الثنائيّة الشيعيّة ـ بصرف النظر عن الفريق الذي تكون حليفة له ـ تشكيل الحكومات التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مرّة عبر الثلث المعطّل ومرّة عبر الثلث الضامن، والآن عبر توقيع الوزير الشيعي الذي يفرض المثالثة كأمر واقع، والآن معركة تكريس هذا التوقيع ليست معركة في وجه الدستور ولا في وجه الرئاسة الأولى، هذه الأزمة قد تتكرّر بين الوزير الشيعي وتوقيعه وبين رئاسة الحكومة وأيّ وزارة أخرى، الرغبة في فرض هذا التوقيع تعني تطويق الدولة والدستور بفرض الرئاسة الثانية المفسّر الوحيد والأوحد للدستور وشلّ عمل أي حكومة ومنعها من وضع أي من قراراتها موضع التنفيذ في حال عدم توقيع الوزير الشيعي على أيّ من المراسيم الحكوميّة!
كلّ حديث عن المناصفة التي أقرّها اتفاق الطائف هو حديث أجوف لأنّ السلوك التعسّفي لفرض التوقيع الشيعي هو محاولة مستميتة للوصول إلى المثالثة من دون ضجيج وصراعات، الأخطر ما هو وراء الستارة وغير المعلن، نحن ذاهبون باتجاه وضع اليد على الرئاسة الأولى بعدما نجح اتفاق معراب بتكريس ترشيح الرئيس ميشال عون باتفاق مسيحي للرئاسة وفرض دعم الرئيس سعد الحريري تكريس انتخابه بإنقاذ لبنان من الفراغ، الثنائيّة الشيعيّة تريد فرض نفسها شريكاً ووصيّاً على الرئاسات الثلاث في لبنان، وللمناسبة التذكير هنا بإغلاق الرئاسة الثالثة مجلس النواب لعام ونصف في وجه النواب مجتمعين، وأسلوبها في توجيه ما يقارب الأربعين جلسة لانتخاب رئيس للبلاد بتفسير منفرد وشخصي من رئيسها يجب وضعه موضع التأمّل والتساؤل أيضاً.
وهنا، لا بدّ من التحدّث بصوت عالٍ عن الدّستور اللبناني الذي زاده اتفاق الطائف غموضاً، لا يوجد فقرة أو مادة في هذا الدّستور إلا ويكتنفها الغموض ساعة يريد أي فريق، لا بدّ من وجود هيئة مستقلّة بعيدة كلّ البعد عن تسلّط الأفرقاء السياسيّين علها تتولى تفسير كل ما يكتنف هذه النصوص من إلتباس، لم يعد من المقبول أن ندخل في أزمة مع كلّ انتهاء لفترة رئاسيّة، أو لتشكيل حكومة، أو لتوقيع مرسوم، هذا ليس وطن يؤمّن الاستقرار السياسي لمواطنيه، كلّ شيء في هذا البلد مأزوم، في انتخابات نيابيّة ومع جلسة انتخاب لرئيس للمجلس النيابي كاد البلد ينفجر، مع الاتفاق على تكريس انتخاب الجنرال ميشال عون كادت دورات الانتخاب تنفجر على مرأى من العالم، ما يعيشه اللبنانيّون مهزلة كبرى، يصرّ أبطالها على فرض السيطرة على البلد عبر ثلث التعطيل ومن يقول أو يدّعي غير ذلك يكذب على اللبنانيين ويخادعهم!
حان الوقت لقول الأشياء كما هي، بدلاً من صرف الوقت في التلهّي بالحديث عن دستورية أو لا دستوريّة توقيع وزير الماليّة على مرسوم الأقدميّة، الأزمة أزمة فرض المثالثة بالإكراه وحان الوقت للتعاطي معها بمستوى خطورتها على الكيان اللبناني من أساسه!
ميرڤت سيوفي