IMLebanon

دستور لبنان بين الأصالة والجهل وختام المخادعة

 

 

تخفي كتابات وسجالات قانونية، ولا نقول حقوقية، الحاجة إلى مراجعة بالعمق لنمطية ذهنية لبنانية في فهم وتعليم وتطبيق الدستور اللبناني. تُستغل هذه النمطية من مخادعين وقوى احتلال مباشر أو بالوكالة وتزعزع بالعمق شرعية الكيان اللبناني في الادراك الجماعي.

 

 

 

1. الدستور اللبناني في انسجام مطلق مع مجمل المبادئ الدستورية العالمية: أبرز المبادئ في الدستور اللبناني هي في انسجام تام مع كل المعايير العالمية. إنها تتعلق برئيس الجمهورية “رئيساً للدولة يسهر على احترام الدستور”، والفصل بين السلطات، والتضامن الوزاري، والثقة بالحكومة، ومسؤولية الحكومة، وموقع الحكومة كسلطة “إجرائية” ورئيسها، ومسؤولية الوزير، ومبدأ الأكثرية والأكثرية الموصوفة في حالات محدّدة.

 

 

 

 

 

يعود الجهل الذي يستغله مخادعون وقوى الاحتلال المباشر أو بالوكالة، ومنذ أكثر من أربعين عاماً، إلى إيديولوجيين وأحياناً جامعيين في تعليم القانون الدستوري اللبناني. إن المواد الموصوفة “بالطائفية” و”الطائفية السياسية” هي المواد الست: 9، 10، 19، 49، 65، 95. إن تعبير “الطائفية” متداول. لكنه ليس مفهوماً علمياً، ولا تصنيفاً concept, notion, catégorie juridique . إنه كالقول: لديّ وجع في المعدة! تتطلب هذه الحالة الصحية تصنيفاً علمياً: قرحة، عسر هضم، حساسية… ومعالجة علمية.

 

 

 

تندرج المواد الست المطبّقة اليوم في أكثر من ثلاثين دولة في العالم (بعض الدول الأوروبية)، أفريقيا الجنوبية، إيرلندا الشمالية، جزيرة موريس، جزر فيدجي، الهند…) في نظرية التعددية الحقوقية pluralisme juridique، والإدارة الذاتية الحصرية autonomie personnelle، وقاعدة الكوتا أو التمييز الإيجابي discrimination positive تجنباً لمخاطر العزل الدائم وضماناً للمشاركة في الحياة العامة. لبنان هو المثال الأسوأ عالمياً في تطبيق هذه المواد! يتم تعميم سوء الممارسة في مقولة سياسيين: “طالما أن النظام طائفي نريد حصتنا”! ويطال التلوث مؤسسات علمية وجامعية وتربوية ومثقفين إيديولوجيين.

 

 

 

يرد تعبير “طائفية” لدى ميشال شيحا بين مزدوجين! استعانت مؤسسات ببعض التقدميين لتبيان تقدمية فكر ميشال شيحا الذي هو تقدمي أساساً في عصره! لم ينكب هؤلاء التقدميون والإيديولوجيون على الموضوع بجدية وحصرية ومقاربة معيارية تطبيقية.

 

 

 

في إحدى كليات الحقوق خُصّصت جلستان لشرح قاعدة التمييز الإيجابي، أي المادة 95 وحدود ومعايير تطبيقاتها من منظور عالمي ومقارن. ماذا كانت ملاحظة مدير الفرع الجامعي وهو من القضاة المعروفين؟

 

قال لي: “علمهم قانوناً دستورياً!” نشرت بعدئذ دراسة تفصيلية في الكتاب السنوي للمجلس الدستوري (المجلد 5، 2011، ص 99-173، مع لائحة مراجع ص 168-173) ويتوفر المرجع الدستوري التالي:

 

 

 

Les discriminations positives, XIIIe Table ronde internationale en 1997, Annuaire international de justice constitutionnelle, XIII, 1997, Paris, Economica et Presse universitaire d’Aix-Marseille, 1998, pp. 49-308.

 

 

 

من لا يريد الدراسة المنهجية والعلمية والمعيارية والحصرية لقاعدة التمييز الإيجابي فليحصد إذاً محاصصة وحصصاً وحجماً وأحجاماً وزبائنية خلف مقولة “الطائفية”!

 

 

 

أدى الانحراف والخطاب الشعاراتي إلى حمل عباقرة وثيقة الوفاق الوطني – الطائف وفي المادة 95 من الدستور في اقتراح تشكيل “هيئة وطنية تضم شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية” لدراسة ما يوصف “بالطائفية” “والطائفية السياسية”. الهدف إخراج الموضوع من الشارع والجهل والاغتراب الثقافي والتلوث والمخادعة. تندرج هذه الهيئة في إطار منهجية علمية عالمية كلجنة Bernard Stasi في فرنسا حول العلمانية (2003) ولجنة Taylor-Bauchard في كندا حول الاندماج الاجتماعي (2020) ولجان عديدة في الهند.

 

 

 

2. الدراسات العالمية المقارنة منذ سبعينات القرن الماضي: كانت تُعتبر بعض الأنظمة الدستورية في لبنان وسويسرا ويوغوسلافيا السابقة وقبرص وإيرلندا الشمالية وجزر فيدجي وجزيرة موريس… فريدة من نوعها sui generis. عندما يبحث البعض في هذه الأنظمة يعتبرون أن بعض تنظيماتها “خاصة”. تطوّرت منذ سبعينات القرن الماضي الأبحاث المقارنة. اعتبر لبنان دائماً كحالة تأسيسية في تصنيف هذه الأنظمة التي يمكن وصفها بالأنظمة البرلمانية التعددية. عقدنا مؤتمراً في الجامعة اللبنانية بمشاركة باحثين عالميين صدرت وقائعه في كتاب:

 

 

 

Hanf, Messarra, Reinstrom, dir., La société de concordance : Approche comparative, UL, 1986, 170 p.

 

 

 

استعملت تعابير مختلفة في اللغات الأجنبية consociatio، proporzdemocratie، consensuel concordance… وكلها تلوثت في لبنان في التنافس السياسي وسجالات بدون بوصلة:

 

 

 

Gerhard Lehmbruch, Proporzdemokratie: Politisches system und politische kultur in der Schweiz und in Osterreich, J.C.B. Mohr-Paul Siebeck, Tubingen, 1967,

 

M.P.C.M. Van Schendelen ed., Consociationalism, pillarization and conflict-management in the Law Countries, Acta Politica, Amsterdam, XIX, January 1984, 178 p.

 

 

 

وتمّ تعريب كتاب Arend Lijphart: الديمقراطية في المجتمع المتعدد: دراسة مقارنة (تعريب إفلين أبو متري مسرّه مع تقديم للكاتب، 1984، 168 ص).

 

 

 

بدلاً من الانكباب، لبنانياً وعالمياً، على دراسة شروط فاعلية حوكمة هذه الأنظمة وانتظامها gouvernabilité من خلال حالات مقارنة، انصب مؤلفون في التأييد أو النقد في حين أن الجهد العالمي والمقارن هو تصنيف لهذه الأنظمة classification / typologie وليس اطلاقاً عقيدة ولا فلسفة ولا حتى نظرية متكاملة. بعد تصنيف أي ظاهرة علمياً، في واقع صحي في العين أو المعدة أو القلب…، يتوجب الانكباب على دراسة حالات في سبيل بناء نظرية متكاملة وتحديد الحالات المرضية والحالات الصحية المنتظمة. لبنان هو الحالة الأكثر غنى عالمياً في النص الدستوري والأكثر فساداً ومخادعة في الممارسة من خلال الاحتلال المباشر أو بالوكالة وزبائن الداخل.

 

عاش لبنان أسوأ الظواهر حيث في ندوات ومؤتمرات وسجالات ينصب جهد سياسيين وإيديولوجيين ومخادعين وأعوان قوى الاحتلال المباشر أو بالوكالة على نبش الوسائل، ليس في سبيل الانتظام العام للنظام الدستوري اللبناني، بل لإرساء هيمنة فئوية والسيطرة على القرار والتعطيل والمطالبات بحصص وأحجام… إنها وسائل مستمدة من عقيدة للكاتب الاسرائيلي Sammy Smooha لإدارة التعددية من خلال طغيان أكثرية أو أقلية، في إسرائيل تجاه المكوّن العربي وفي بعض البلدان العربية وأفريقيا الجنوبية سابقاً وغيرها نقيضاً لفلسفة ومضمون المادة 65 من الدستور اللبناني ومجمل البناء الدستوري اللبناني:

 

 

Sammy Smooha, “Control of minorities in Israel and Northern Ireland”, Comparative studies in society and history, April 1980, pp. 256-280.

 

*عضو المجلس الدستوري، 2009-2019