نصّت المادة /73/ من الدستور، على أنه قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهرٍ على الأقّل أو شهرين على الأكثر، يلتئم مجلس النواب، بناءً على دعوة من رئيسه لإنتخاب الرئيس الجديد… وإذا لم يدعَ المجلس، فإنه يجتمع حُكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل إنتهاء ولاية الرئيس. فيما المادة /74/ من الدستور نصّت صراحةً، على أنه إذا خلت سُدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو أي سبب آخر، فلأجلِ انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحُكم القانون…
والمقصود بخلو سدّة الرئاسة لأي سبب آخر، مثلاً إصابة رئيس الجمهورية بمرض عُضال لا شفاء منه، يمنعه من ممارسة مهامه الرئاسية، أو صدور قرار من المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والمنصوص عنه في المادة /80/ من الدستور، أو إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية من دون أن يتمكّن مجلس النواب من إنتخاب خَلَفٍ له، كما حصل في الأعوام /1988/ و/2007/ و/2014/.
ما يُفيد، أنّ المجلس وعملاً بأحكام المادة /73/ من الدستور لا يُمكنه الإلتئام إلاّ بناءً على دعوة من رئيسه، فيما المجلس، وعملاً بأحكام المادة /74/ من الدستور، وحين خلو سدّة الرئاسة، فإنّه يجتمع فوراً بحُكم القانون، وليس بناءً على دعوة من رئيسه، لأنّه وحين تخلو سدة الرئاسة، يُصبح مجلس النواب وبمقتضى الدستور في طور انعقادٍ حُكمي ومؤهّلاً لإنتخاب رئيس للجمهورية. ويظل في حالة إنعقاد إلى حين إنتخاب رئيس جديد للبلاد. فهو ليس بحاجة إلى دعوة من رئيس المجلس ليتمكّن من الإنعقاد. (دراسة في القانون الدستوري اللبناني- للدكتور وليد عبلا- ص/426/ حتى/428/) وأيضاً (حارس الجمهورية – للأستاذ حسن الرفاعي- ص/368/). ويقتصر دور رئيس المجلس عند تطبيق المادة /74/ من الدستور على تعيين موعد جلسة الإنتخاب، إستناداً إلى سلطته الإدارية المستمدّة من النظام الداخلي لمجلس النواب، وليس انطلاقاً من دوره الدستوري بالدعوة، بحيث يُصبِح بإمكان المجلس النيابي، وإذا امتنع رئيس المجلس عن تعيين موعد لجلسة الإنتخاب (عملاً بسلطته الإدارية) في مهلة معقولة، أن يجتمع تلقائياً، وأن يتداعى لإنتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ المجلس في حالة إنعقاد حُكمي. هذا مع العلم أنه قد جاء في مؤلّف الدكتور وليد عبلا «دراسات في القانون الدستوري اللبناني» ص/428/ ما حرفيّته: «… فرئيس المجلس مُلزَم بتعيين جلسة إنتخاب في أقرب وقت، ولا يحق له إطلاقاً تعطيل إنتخاب رئيس الجمهورية أو إرجاء انتخابه إلى أجل غير مُسمّى وفقاً لمشيئته. فإذا لم يقُم بواجبه بات من حق النواب أن يتجاوزوه».
مع الإشارة إلى أنّ الدكتور الراحل وليد عبلا الشيعي المذهب، والذي كان مُقرّباً من الرئاسة الثانية ومستشاراً لها، كان يتمتّع بمصداقية وموضوعية ونظرة دستورية ثاقبة، وما زالت مؤلّفاته مرجعاً.
ما يؤكّد، أنّ رئيس المجلس مُلزَم بتعيين جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية. ولا يحق له تعطيل هذا الإستحقاق لأي سبب. ولا يحق له ربطه بأي حوار أم قيد أم شرط. فرئيس المجلس يمارس صلاحياته وفق أحكام الدستور، ووفقاً لأحكام النظام الداخلي، وليس وفقاً لمشيئته أو رغبته (كما جاء في مؤلّف الدكتور وليد عبلا).
وبالتالي، وضع آلية للحوار وقواعد وصِيَغ… كشرط للدعوة إلى جلسة انتخاب، فيه تعسُّف، ويُشكّل مخالفة دستورية، لا سيما لنص المادة /74/ من الدستور، كذلك لأحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.
فرئيس المجلس ليس والياً على المؤسسة التشريعية، إنما دوره يقتصر على دعوة النواب للإجتماع (بسلطته الإدارية المستمّدة من النظام الداخلي) وعلى توزيع مشاريع القوانين والإقتراحات على اللجان، والسهر على عمل اللجان، والمُشاركة في التصويت كسائر النواب، ولا يشترك بالمناقشة إلا إذا ترك منصّة الرئاسة، وضبط إجراءات الجلسات وحفظ نظامها (الموسوعة الدستورية – الجزء الخامس- للأستاذ أنور الخطيب- ص/415/ و/416/).
بالخُلاصة، لا يُمكِن وصف ما يجري راهناً، إلاّ إستبدادًا وتحكُّماً. وصَدَقَ «أفلاطون» حين قال: «تنبثق الديكتاتورية أحياناً من الديموقراطية». فالمجلس النيابي والذي يُفترض أن يُمثّل رَحمْ الديموقراطية، تتحكّم فيه ديكتاتورية القرار، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. وبات من حقّه لا بل من واجبه التداعي لإنتخاب رئيس، وعدم التسليم بالأمر الواقع.
رحِم الله الدستور ورحم الديموقراطية.