Site icon IMLebanon

الدستور وضع آلية واضحة لانتخاب الرئيس ولا حاجة إلى آلية أخرى تثير الخلاف

بعدما انتهت اقتراحات العماد ميشال عون المستحيلة الى ما انتهت إليه اقتراحات سابقة له لأنه لم يتذكر ما جاء في أقوال مأثورة: “إذا شئت أن تطاع فسل ما يستطاع، ومن يطلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، وأن الطاعة هي على قدر الطاقة، والتكليف بالمحال محال، ومن يُرِد أن يأكل قمحاً لا يأكله قبل أن يصبح سنبلة”، فإن اقتراحات من اجتمعوا في بكركي ردَّ عليها الرئيس نبيه بري سلباً قبل أن يلتقي اللجنة التي شكّلت لتشرح له أسبابها الموجبة…

لذلك يمكن القول ان لا حلول لبنانية لأزمة الانتخابات الرئاسية إلا بعد أن تقول ايران كلمتها. وحلّ هذه الازمة ليس عند مسيحيي 14 آذار ولا عند من يواظبون على حضور جلسات الانتخابات الرئاسية، إنما عند مسيحيي 8 آذار الذين عليهم أن يختاروا بين أن يكونوا مع لبنان فيسرعوا في انتخاب رئيس له، أو أن يكونوا مع ايران التي تريد تعطيل انتخابه ليصبح لبنان رهينة لا تفرج عنها إلا بعد أن تقبض الثمن في مفاوضات الملف النووي، أو تجعل من هذا التعطيل ورقة ضغط ومساومة وابتزاز، إلى أوراق تمسك بها في العراق وسوريا واليمن عند تقاسم مناطق النفوذ. ولا شيء يدل حتى الآن على ان مسيحيي 8 آذار سيكونون مع لبنان بل مع ايران ما دام “حزب الله” يرفض التخلي عن ترشيح العماد عون للرئاسة الأولى إلا إذا تخلّى عون نفسه عن ذلك، وما دام عون يرفض الانسحاب بعدما اتفق مع الدكتور سمير جعجع على أن يكونا وحدهما المرشحين القويين وعلى النواب انتخاب أحدهما وإلا فلا رئيس… وهو اتفاق يخالف الدستور الذي يفتح باب الترشح لكل ماروني يستوفي الشروط المطلوبة ولم يشترط حتى على المرشح التقدم بترشيحه بل ترك الامر للنواب كي يصوتوا لمرشحين معلنين وغير معلنين، ومن ينل اصوات الاكثرية المطلوبة يعلن فوزه بالرئاسة.

لقد عاد هذا الاتفاق بين عون وجعجع بالذاكرة إلى يوم خيَّر فيه المبعوث الاميركي ريتشارد مورفي النواب بين انتخاب النائب مخايل ضاهر أو الفوضى… والآن يخيّرونهم بين انتخاب عون أو جعجع أو لا انتخابات.

كما يذكّر باتفاق اميركا مع مصر عبد الناصر على انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، فتصدى له العميد ريمون اده بترشيح نفسه منافساً له لا للفوز إنما للتأكيد أن النظام الديموقراطي لا يزال حياً في لبنان.

وما دام الرئيس بري يصر على انتخاب الرئيس بحضور ثلثي عدد النواب وهو ما حصل في كل انتخاب، فهل في استطاعة اللجنة التي تألفت في اجتماع بكركي إقناعه بانتخاب الرئيس بأكثرية النصف زائداً واحداً ولو لمرة واحدة، وبسبب الظروف الاستثنائية وتعذّر تأمين نصاب الثلثين لأسباب سياسية داخلية وتدخلات خارجية، خصوصاً أن اعتماد الثلثين في الدستور هدفه الحؤول دون تمكين المسلمين وحدهم أو المسيحيين وحدهم من الاستئثار بانتخاب رئيس لا يكون رئيساً لكل لبنان ولكل أبنائه. وليس في استطاعة البطريرك الراعي ان يشهر في وجه النواب الموارنة المستمرين في مقاطعة جلسات الانتخاب سيف إنزال عقوبة الحرم الكنسي بهم ولا مقاطعة من يقاطعون هذه الجلسات حرصاً منه على أن يكون على مسافة واحدة من الجميع ولا يزج بكركي في الانقسامات السياسية بين أبنائها أو التمييز بين صالح وطالح.

لذلك لا مخرج لأزمة الانتخابات الرئاسية إلا إذا وافقت الاكثرية النيابية المطلوبة على انتخاب رئيس للجمهورية بأكثرية النصف زائداً واحداً ولو لمرة واحدة وبسبب ظروف استثنائية. لكن هذه الاكثرية لن تتأمن إلا بايعاز ايراني الى “حزب الله” ومن دون شروط مسبقة تفرض انتخاب هذا المرشح أو ذاك لأن ثمة مرشحين مستقلين لا يستطيع اي اتفاق حملهم على سحب ترشحهم، ومنهم النائب هنري حلو مرشح كتلة النائب وليد جنبلاط، وأصوات هذه الكتلة هي التي ترجح كفة فوز مرشح من المرشحين المعلنين وغير المعلنين.

وإذا كان الدستور لم يُجز انتخاب رئيس للجمهورية إلا بحضور ثلثي عدد النواب كي لا يستأثر لا المسيحيون وحدهم ولا المسلمون بانتخابه، فلا يكون عندئذ رئيس لكل لبنان ولكل اللبنانيين، فإن اكثرية النصف زائداً واحداً هي اكثرية وطنية مسيحية واسلامية تؤكد احترام “الميثاق الوطني” في انتخابه، فما المانع من اعتماد هذا الحل ولو لمرة واحدة واستثنائياً، خصوصاً ان الانقسام بين 8 و14 آذار هو انقسام سياسي وليس طائفياً؟

ومن جهة أخرى، فان البحث يجري عن آلية يتم الاتفاق عليها لانتخاب رئيس للجمهورية كأن توضع لائحة بأسماء المرشحين المقبولين وليس للنواب حق انتخاب سواهم، فهذا مخالف للدستور وللديموقراطية. فالدستور وضع آلية لانتخاب الرئيس ولا حاجة للبحث عن آلية أخرى لئلا يصبح البحث عنها في كل استحقاق سبباً من أسباب تعطيل الانتخاب. فاذا كانت الآلية التي لحظها الدستور لانتخاب الرئيس لم تعد صالحة، فما على مجلس النواب سوى إعادة النظر فيها، لا أن يصبح عند كل انتخاب رئيس آلية ينبغي الاتفاق عليها، وإلا تعطّل انتخابه.

لقد كان الخارج يتدخل في الماضي لدى النواب لجعلهم ينتخبون هذا المرشح أو ذاك، أما اليوم فان الخارج وتحديداً ايران تتدخل لتعطيل الانتخاب لأنها غير قادرة على تأمين أكثرية تنتخب المرشح الذي تريد. فإلى متى يظل لبنان رهينة عند ايران التي تنتظر من يدفع ثمن الإفراج عنها مستفيدة من خلاف اللبنانيين؟!