في خِضم الاستعدادت للانتخابات النيابية طغى الطعن الدستوري الذي تقدّم به عشرة نواب أمام المجلس الدستوري على ما عداه من أحداث، وتجاوَز ما حوَته «الرسالة الرئاسية» إلى مجلس النواب في شكلها ومضونها، بعدما تحوّلَ الطعن بالمادة 49 بنداً من سبعة بنود أخرى فاستوعبَها وجَعلها بلا معنى. وهو ما أدّى إلى التريّث في قراءتها ومناقشتها بعد تحديد المخالفات الأخرى المرتكَبة. وعليه، فما هو المنتظَر؟
على وقعِ التحضيرات التي يجريها لمقاربة الطعون النيابية المنتظرة بعد 6 أيار المقبل موعدِ إجراء الانتخابات النيابية يخصّص المجلس الدستوري اجتماعه، عند العاشرة من قبل ظهر اليوم، للبحث في الطعن الذي تقدّمَ به رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ومعه رئيس حزب الوطنيين الأحرار وأعضاء كتلة نواب الكتائب وأربعة نواب آخرون من «اللقاء الديمقراطي» وتكتّل «الإصلاح والتغيير» و»المستقبل» من أجلِ الطعن «في دستورية قانون موازنة 2018» مع «طلبِ وقفِ التنفيذ».
ومِن المقرر دستورياً – وبحسب المواد 19 و20 و21 من نظام المجلس – أن يلتئمَ المجلس الدستوري اليوم للبتّ المبدئي بقبول الطعنِ في الشكل كما بالنسبة الى طلب البتّ بوقفِ تنفيذ بعض البنود المطعون بها «جزئياً أو كلّيا» لاستحالة وقفِ تنفيذ قانون الموازنة كاملاً.
وتسمية أحد أعضائه مقرّراً – بموجب المادة 31 من نظامه ـ يتولّى وضع التقرير الخاص بالطعن خلال مهلة الأيام العشرة المقبلة حداً أقصى ليلتئم المجلس بعدها وخلال خمسة ايام – عملاً بمضمون المادة 36 – وبدء البحث في مضمون التقرير في جلسات مناقشةٍ ومذاكرة تمهيداً لإصدار قراره النهائي في مهلة 15 يوما. وكل ذلك سيَجري في خلال شهر حدّاً أقصى يُحتسَب من تاريخ تقديم الطعن.
وبحسب كلّ الآراء الدستورية فإنّ ما شابَ الموازنة من اخطاء وخروج على الدستور ليس قليلاً ولا من الصعب فهمُه. فهناك بنود كثيرة تجاوزَت من خلالها لجنة المال والموازنة ما يقول به الدستور، وكرّسَها مجلس النواب في جلسة تشريعية عامة عقِدت على أعتاب مؤتمر «سيدر 1» لتقديمها في المؤتمر خطوةً اصلاحية لا بدّ منها دون التروّي أو النظر الى ما احتوَت من مخالفات دستورية وقانونية هي التي أدّت الى الطعن امام المجلس الدستوري.
ولمّا تزامنت هذه الخطوة مع خطوة رئيس الجمهورية بتوجيه كتاب الى المجلس النيابي طالباً اليه تفسيرَ المادة 49 من قانون الموازنة الخاصة بمنحِ ايّ اجنبي «إقامة دائمة» لقاء تملّكِه عقاراً سكنياً وفق معايير مالية محدّدة إن جرى ذلك في بيروت أو في خارجها، فقد ادّى الطعن الى تجميد رئيس الجمهورية بالتكافل والتضامن مع رئيس مجلس النواب العملَ بالرسالة ومضمونِها في انتظار كلمةِ المجلس الدستوري الحاسمة.
وجاءَت خطوة رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي، لتزامنِ مبادرة رئيس الجمهورية والتقدّم بالطعن أمام المجلس الدستوري بفارق ساعات قليلة. فالرئيس ميشال عون الذي بعث في الثامنة صباح الثلاثاء برسالته الى المجلس النيابي تطبيقاً لنصٍّ دستوريّ يحدّد صلاحياته عملاً بالفقرة 10 من المادة 53 من الدستور، والفقرة 3 من المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس النيابي، لم يكن على علمٍ مسبَق بالطعن الذي قدِّم إلى المجلس الدستوري ظهراً.
فاتّصل برئيس المجلس في الأولى بعد الظهر لمعالجة الموقف. وقد تمّ التوافق على تجميد الرسالة والخطوات التي تفرضها بعدما تجاوَز الطعن النيابي مضمونها وراح الى أبعد مما قالت به لجهة «إعادة النظر» في المادة 49 فحسب، بل ذهبَ بعيداً الى ما عداها من مواد من القانون نفسِه، فتقدَّم أمر النظر بها من قبَل المجلس الدستوري على كلّ ما يمكن أن يقوم به مجلس النواب.
فطلبُ الطعن أمام المجلس الدستوري تجاوَز المادة 49 إلى بنود أخرى في الشكل والمضمون، وأبرزُها:
أوّلاََ، في الشكل:
– طلب المستدعون اتّخاذ القرار فوراً بوقف تنفيذ مفعول القانون المطعون فيه جزئياً أو كلياً ريثما يُصار الى بتّ الطعن في الأساس. منعاً لأيّ ضرر قد يلحق بالتعديلات الضريبية في حال تمّ الرجوع عنها أو إلغاؤها أو تعديلها حفاظاً على حقوق المواطنين والمال العام ومنعاً للوقوع في حالة اللاستقرار القانوني التي تؤثر سلباً على الانتظام المالي للدولة.
ـ ثانياً، في المضمون:
– مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام المادتين 32 و83 من الدستور اللبناني والفقرتين (ج) و (د) من مقدّمة الدستور لجهة احترام الموجبات والصلاحيات الدستورية لمجلس النواب.
– لجهة وجوب التقيّد بالمبادئ والأصول والقواعد الدستورية التي ترعى الموازنة ويقتضي إبطالَ الفصول الثانية والثالثة والرابعة في القانون المطعون به لمخالفته المادة 83 من الدستور لجهة احترام مبدأ سنوية الموازنة ولجهة عدم تضمينه أحكاماً لا تتعلق مباشرةً بتنفيذ الموازنة. وكذلك إبطال المادة 13 من الدستور لجهة احترام وحدة وشمول الموازنة ووجوب احترام القواعد والمبادئ التي نصّ عليها الدستور في وضع الموازنات.
– مخالفة القانون المطعون به لأحكام المادة 87 من الدستور والفقرة «هـ» من مقدّمته. لجهة وجوب احترام الأصول الدستورية وإعداد قطعِ الحساب والمصادقة عليه قبل المصادقة على الموازنة ونشرِها (المادة 87 من الدستور). كما لجهة وجوب احترام مبدأ الفصل بين السلطات وتوازياً مع عدم جواز تعطيل عمل السلطات الدستورية (الفقرة «هـ» من مقدّمة الدستور).
– مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام المواد 81 و82 من الدستور اللبناني. وهو ما يقتضي إبطالَ بعض المواد من القانون المطعون فيه لجهة عدمِ جواز انتزاع صلاحيةٍ دستورية هي للمجلس النيابي ضِمن قانون الموازنة.
– في مخالفة المادة 49 من القانون المطعون فيه لأحكام الفقرة «ط» من مقدمة الدستور التي تقول «إنّ أرض لبنان لكلّ اللبنانيين … ولا تَجزئة ولا تقسيم ولا توطين». كما المادة 83 منه، وبالنظر الى الغموض وافتقارها الى الوضوح. ولذلك وجبَ إبطال المادة 49 لمخالفتها كلَّ هذه الفقرات والمواد المشار اليها.
وأمام هذا الواقع الجديد الذي فرَضه الطعن أمام المجلس الدستوري ظهَر أنّ تجميد خطوة الرئيس في اتّجاه مجلس النواب منطقية وواقعية بعدما بات مضمون الرسالة دون أهمّيةِ ما أثارَه الطعن امام المجلس الدستوري. وهو أمرٌ سيقود ايضاً الى إظهار حجمِ التجاوزات التي ارتكبَتها لجنة المال والموازنة النيابية التي ادَّعت البتَّ بها في ايام قليلة.
وتجاهلت كثيراً من مقتضيات الوصول الى مرحلة إصدار الموازنة الجديدة بعدما تجاوَز اعضاؤها موضوع قطعِ الحساب والتعهّد السابق عند إقرار موازنة العام 2017 بالبتّ به قبل البحثِ في موازنة 2018. عدا محاولة اللجنة ومِن بعدها المجلس النيابي التعديلَ المقترح على قانون تملّكِ الأجانب وأصول إعطاء الإقامة لأيّ أجنبي على الأراضي اللبنانية تلبيةً للوبي اقتصادي ومالي كبير على حساب كلّ القوانين التي ترعى هذه العملية وخلافاً لمبدأ يَفهمه طلّاب المرحلة التكميلية بأن «لا تعديل أو إعادة نظر في أيّ قانون إلّا بقانون مماثل».
وعليه، سيكون أمام المجلس الدستوري فرصة لم تأتِ يوماً لإرساء قواعد التعاطي مع الموازنات العامة والمال العام والأسس الواجب اعتمادها. والبدء بتطبيق الإصلاحات التي تعهَّد بها لبنان أمام المجتمع الدولي ووقف المهاترات السياسية التي يدّعيها البعض في لجنة المال والموازنة ويعدّد فيها الإنجازات للتغطيةِ على مجموع التجاوزات.