ترتدي حركة السفراء المعتمدين لدى لبنان، في الآونة الأخيرة طابعاً بالغ الدقة لجهة الرسائل الواضحة التي يحملونها إلى عدة قيادات ومرجعيات سياسية وروحية في الآونة الأخيرة، لا سيما في ضوء الحراك القضائي الأوروبي والذي، وإن كان يستهدف جانباً معيناً من التحويلات المالية إلى مصارف أوروبية، فهو يؤشّر إلى وجود توجّس وشكوك بالوعود المتكرّرة بالإصلاح من جهة، والتعاون مع المجتمع الدولي من جهة أخرى، من أجل إطلاق مرحلة جديدة تنقل الساحة الداخلية من الإنهيار الى التعافي.
ويلاحظ سفير سابق في واشنطن أن عواصم القرار الغربية، وفي مقدمها واشنطن، تواكب ومن خلال سفرائها في بيروت، عملية إقرار القوانين الإصلاحية في المجلس النيابي، ولكن هذا الأمر يترافق مع شكوك بإمكانية التنفيذ، بمعنى أن التجارب السابقة في هذا الإطار، بات يرسم المسار الطبيعي لأي اقتراح قانون أو خطة إصلاحية، قد يتمّ إقرارها في المجلس النيابي من أجل الإلتزام، ولو من الناحية النظرية بشروط صندوق النقد الدولي.
وتوازياً مع ملف الإصلاح المجمّد من الناحية العملية، وفق السفير السابق، فإن أكثر من ملف أمني وقضائي هو اليوم تحت المجهر الديبلوماسي، وبشكلٍ خاص ملف التحقيقات المالية، كما ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، حيث أن ما سُجّل في الأيام الماضية، على صعيد التحركات الإحتجاجية لأهالي ضحايا هذا الإنفجار، إضافةً إلى عملية توقيف وليام نون، وما رافقها من تحركات في الشارع، قد حظي بمتابعة دقيقة من قبل السفراء الغربيين، وتحديداً سفيرتا الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو، علماً أن الإهتمام في هذا الملف، ما زال يقتصر على الذين سقطوا في الإنفجار وهم يحملون جنسيةً أميركية وفرنسية أو كندية، كما بالنسبة للموقوفين في تحقيقات المرفأ، والذين يحملون الجنسيتين الأميركية والكندية.
وفي معرض تقييمه للتطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية في الأسابيع الماضية، يؤكد السفير السابق في واشنطن، أن الديبلوماسيين الناشطين على هذه الساحة اللبنانية، قد باتوا في أجواء صعوبة، إن لم يكن استحالة، تسجيل تقدم على صعيد العملية الإصلاحية من جهة، والإلتزام بالمواعيد الدستورية للإستحقاقات من جهة أخرى، وذلك بمعزلٍ عن التعهدات التي قطعها المسؤولون اللبنانيون أمامهم وأمام عدد من المراجع الدولية والأممية والبعثات المتخصّصة.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإن لبنان اليوم، وفي ضوء الإنهيارات المتراكمة والأزمات المتناسلة، خصوصاً الصحية والوبائية، بالإضافة إلى أزمة الكهرباء، قد بات على لائحة الدول الفاشلة والتي تستحق العون والمساعدة، أسوة بكثير من الدول التي وضعت على جدول الرعاية الدولية.
وبالتالي، فإن الإنقسامات الداخلية والخلافات الأخيرة على هامش الإستحقاق الرئاسي، قد دفعت نحو ترحيل أي خطوات إصلاحية، بعدما دفعت المناكفات المباشرة في ما بين الأطراف السياسية إلى تعطيل السلطات الدستورية، على حدّ قول السفير نفسه، والذي يكشف أن الفوضى الدستورية قد أصبحت تتحكّم بعمل حكومة تصريف الأعمال، وهي مرشحة للإتساع في حال استمر التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية وانتظام عمل المؤسسات الدستورية.