Site icon IMLebanon

سقطة أم انتصار

 

نشأ الفصل بين السلطات كوسيلة للحفاظ على الحقوق والحرّيات، ولمنع قيام سلطة من الهيمنة على سلطة أُخرى.

 

وفي وثيقة الوفاق الوطني إتفق النوّاب الحاضرون على إنشاء المجلس الدستوري لمراقبة السلطة التشريعية. ولتقرير مدى دستورية ما يصدره المجلس النيابي من قوانين (في حال الطعن)، وأُنيطت به صلاحية البت بطعون الإنتخابات الرئاسية والنيابية، كذلك تفسير الدستور.

 

غير أن مجلس النواب وحين أسقط هذه التعديلات على نص الدستور، حرم المجلس الدستوري من صلاحيته تفسير الدستور، بحجّة «السيادة»، وكانت المادة /19/ من الدستور.

 

وفي 14/ تمّوز/1993 صدر القانون الرقم 250 / 1993 المتعلّق بإنشاء وتحديد نظام المجلس الدستوري. ونصّت المادة /12/ منه على أن قرارات المجلس الدستوري تتخذ بأكثرية سبعة أعضاء على الأقل من أصل عشرة في المراجعات المتعلّقة بالرّقابة على دستورية القوانين.

 

كذلك، نصّت الفقرة الأخيرة من نص المادة /21/ من القانون نفسه، أنه إذا لم يصدر القرار ضمن المهلة المحددة، يعتبر النص موضوع المراجعة مقبولاً.

 

وفي 7 / آب/ 2000 صدر القانون الرقم 243 / 2000 (النظام الداخلي للمجلس الدستوري) والذي نصّ في الفقرة الثانية المادة /37/ منه على ما حرفيّته:

 

«إذا لم يصدر القرار ضمن المهلة القانونية، يكون النص ساري المفعول ويُنظّم محضراً بالوقائع، ويُبلّغ رئيس المجلس المراجع المختّصة عدم التوصُّل إلى قرار».

 

مما يُفيد،

أن قانون إنشاء المجلس الدستوري نصّ وفي المادة /12/ منه على أن أي قرار يجب أن يتّخذ بأكثرية سبعة أعضاء من أصل عشرة.

 

كذلك، نصّت الفقرة الأخيرة من المادة /21/ من قانون الإنشاء، وأيضًا الفقرة الثانية من أحكام المادة /37/ من النظام الداخلي للمجلس الدستوري، على أنه إذا لم يصدر القرار ضمن المهلة المذكورة، يعتبر النص موضوع المراجعة مقبولاً. ويُنظّم محضر بالوقائع يُبلّغ للمراجع المختّصة، ويُنشر في الجريدة الرسمية.

 

وبالعودة إلى الطعن الذي تقدم به تكتل «لبنان القوي» بقانون التعديلات الرقم 8 / 2021. قُدّم هذا الطعن وفقا للأصول، وضمن المهلة المحددة والمنصوص عنها في المادة /19/ من القانون الرقم 250 / 1993. وفَور تسجيل المراجعة في قلم المجلس، دعى رئيس المجلس الدستوري المجلس فورا للإنعقاد، وعيّنَ مُقرّرين وضعا تقريراً خلال المهلة المحددة، حيث أُبلغ من الأعضاء أصولاً.

 

إنعقد المجلس الدستوري بهيئته العامة للبت بالطعن، وانقضت مهلة الخمسة عشر يوماً من تاريخ موعد الجلسة الأولى، من دون التوصُّل إلى قرار بأكثرية سبعة أعضاء من أصل عشرة.

 

وبالتالي، السؤال هو: أين السقطة بما جرى؟

فلكل من أعضاء المجلس الدستوري رأيه وقراءته ودراسته وتقييمه. والإثبات على ذلك أن النص أدرج ضمن مواده إمكانية عدم التوصُّل إلى قرار مشترك، أو قرار بأكثرية محددة.

 

مما يُفيد، أنه ليس وبكل مراجعة، يُفترض أن يتوصّل الأعضاء إلى قرار مشترك، أو قرار بغالبية موصوفة.

فالخلاف في الرأي مُباح، والتناقض الفقهي لكل عضو مُتاح، والحجة بيد كل منهم سلاح، فلماذا وصف ما جرى بالنكسة والسقطة والعار؟؟؟

 

طالما انّ المشترع نصّ صراحةً على آلية لاتخاذ أي قرار، وعلى غالبية موصوفة. ونظّم آلية عدم التمكُّن من ذلك، وفرض تنظيم محضر بالوقائع (المادة /37/ من النظام الداخلي) فأين العيب أن لا يتّفق الأعضاء على رأي موحّد؟؟؟

 

أما لجهة ما إذا كان ما جرى يُشكّل سقطة أم انتصارا. فمن المؤكّد أن ما جرى هو انتصار للمؤسسات، هو انتصار للمجلس الدستوري، هو انتصار لهذا المجلس الذي أبعَد نفسه عن الصفقات، ولم يكُن جزءا منها.

 

وفي الخُلاصة، إن كان ما جرى جاء نتيجة خلاف فقهي بين أعضاء المجلس الدستوري، فهذا أمر حميد ومستوجب التأييد.

 

أما إذا كان ما جرى، جاء نتيجة مُداخلات وضغوط، فهذا يُشكّل جُرما مشهودا، وتصرُّفا مرفوضا ومردودا.

 

فلنؤمن بالقضاء، ولا نُشكّك بأعمدته، فإن تصدّعت أركانه إنهار لبنان.