تكشف مصادر سياسية مطّلعة، أن مرحلة ما بعد قرار المجلس الدستوري ليس كما قبله، بمعنى أن هناك أجواء عن اصطفافات سياسية ستجري بين معظم الأطراف، وإعادة صياغة التحالفات، إنما، وخلافاً لما تطرّق إليه البعض، ليس هناك من أي حلف رباعي جديد، وهذا أمر محسوم، والدلالة أن التحالفات الإنتخابية باتت شبه منجزة، وتحديداً بين الحزب «التقدمي الإشتراكي» و»القوات اللبنانية»، وعلى هذه الخلفية، علم أن لقاءات تحصل أيضاً بين قياديتي «تيار المستقبل» و»الإشتراكي»، ويُرتقب أن تتفاعل بعد عطلة الأعياد، إنما ليس هناك من توجه إلى تشكيل حلف سياسي على غرار ما كان يجري سابقاً، إذ لكل طرف ظروفه واعتباراته، ولكن «القوات» و»الإشتراكي» وقوى أخرى متّفقون على عناوين أساسية سيادية ووطنية، وعلى إقامة أفضل العلاقة عربياً، لا سيما مع دول الخليج والمملكة العربية السعودية.
وفي هذا الإطار، وربطاً بما جرى في الأيام القليلة الماضية، أو ما قيل عن صفقات ومقايضات، وصولاً إلى ما كان ينوي عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من إقدامه على الإستقالة، تشير المصادر نفسها، الى أن التسويات التي كانت مُعَدّة قد طُويت، وهناك أجواء مغايرة تتمثّل بمخرج توافقي من كل الأطراف لعودة الحكومة إلى عقد جلساتها، وإلا هناك أيضاً سيناريوهات بدأ التداول بها، وتقضي ببقاء الحكومة كما هي إلى حين موعد الإستحقاق الإنتخابي النيابي، بدليل أن ميقاتي، ألمح إلى أن الحكومة ليست معطّلة والوزراء يجتمعون، وهو يقصد بذلك، أنه يقوم بترؤس مجالس وزارية مصغّرة، ولكن العودة إلى قصر بعبدا وانعقاد مجلس الوزراء، فهذا بات أمراً مستحيلاً، لأن هناك توجهاً داخلياً، ومن خلال تشاور إقليمي ودولي يقضي بعدم استقالة الحكومة.
وبناءً عليه، تكثّفت الإتصالات الأميركية والفرنسية في اليومين المنصرمين عبر موقف موحّد تم إبلاغه إلى ميقاتي، مطالبين إياه بعدم الإستقالة، لأن الطرفين يعتقدان أن ذلك سيرتّب على البلد حروباً وتفلّتاً أمنياً في الشارع، ومزيداً من التدهور على المستويات الإقتصادية والإجتماعية، وإن كانت الحكومة منقسمة ولم تقم بإصلاحات أو إنجازات حتى الآن، وإنما يبقى وجودها أجدى وأفضل بكثير من الفراغ، وتحديداً قبيل الإستحقاقات الدستورية المرتقبة.
وفي مجال آخر، فإن جهوداً داخلية، يقوم رئيس المجلس النيابي نبيه بري وجنبلاط، اللذان يرفضان استقالة الحكومة ويسعيان عبر اتصالاتهما مع رئيسها على ضرورة تحمّل وزر هذه المرحلة إلى حين إجراء الإنتخابات النيابية، ولو تحوّلت الحكومة إلى تصريف الأعمال، أو عدم عقد جلسات لمجلس الوزراء، لأنه، وقبل هذا الإستحقاق، من الصعوبة بمكان حصول أي خطوات، وهذا ما أُبلغ من خلال حركة الموفدين لميقاتي. وفي هذا المجال، يُنقل عن مقرّبين من ميقاتي، بأنه تبلّغ من الفرنسيين ضرورة السير كما تم التوافق عليه معه خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، وصولاً إلى الإتصال الذي أجراه معه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جدّة، وبالتالي، فمن غير المُستبعد حصول لقاء قريب بين موفدين فرنسيين ورئيس الحكومة، على اعتبار أن هناك تواصلاً ومتابعة لإعلان جدّة من قبل دوائر الإيليزيه، وبالتالي، فإن هذه المتابعة سوف تُبقي جهودهما مستمرة من أجل ترتيب زيارة لرئيس الحكومة إلى الرياض.
ويبقى أخيراً، أن ما ينقل عن مرجعية سياسية أنه، وبعد قرار المجلس الدستوري، ثمة مخاوف من أن يقوم البعض بدفع البلد في صراعات طائفية ومذهبية للملمة صفوفهم، ولجم التراجع الحاصل اليوم لدى هؤلاء، أو حصول تطوّرات أمنية كبيرة تعيد خلط الأوراق وتُطيّر الإنتخابات، بمعنى أن البعض يعمل على استعادة وضعيته السياسية السابقة ولن يتأخر عن محاولة جرّ البلد إلى الفوضى كما حصل في محطات سابقة، ما أدى إلى تطيير الإستحقاقات ودخول البلد في فراغ دستوري.