Site icon IMLebanon

صراع “التيار” و”الحزب”: المجلس الدستوري كضحية

 

 

من حسن الصدف أن يكشف السجال الذي حصل بين رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل و»حزب الله» على خلفية عقد الجلسة الحكومية الإثنين 7 كانون الأول الحالي، الكثير من المسائل التي كان يكتنفها الغموض على الرغم من التداول بها في تسريبات إعلامية انتقلت من السرّ إلى العلن. من هذه المسائل مثلًا موضوع استقلالية المجلس الدستوري وابتعاده عن تأثير السلطة السياسية حيث بدا وكأنّ هذه المقولة ليست دقيقة وتحتاج إلى توضيح وإثبات العكس.

 

منذ أحيلت إليه الطعون في عدد من المقاعد النيابية في عدد من الدوائر بعد الإنتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الماضي، واقترع فيها اللبنانيون في دول الإنتشار قبل أسبوع، حكي عن أنّ المجلس الدستوري سيعمل على تمرير ما يناسب السلطة القائمة من قرارات تعيد توزيع المقاعد النيابية بما يقلّص عدد المقاعد الخارجة عن نفوذ هذه السلطة المتمثّلة بتحالف «حزب الله» وقوى 8 آذار و»التيار الوطني الحر». هذا الكلام كان يستند إلى الطريقة التي تمّ فيها تشكيل هذا المجلس واختيار أعضائه خصوصاً من قبل «التيار الوطني الحر» والثنائي الشيعي.

 

عودة إلى تصويت المغتربين

 

ما كُشف بسبب السجال العلني لم يقتصر على هذه الطعون فقط بل تعدّاه إلى دور المجلس الدستوري وبطريقة مكشوفة ومن دون حياء أو خجل. فقد كشف الخلاف العوني مع «حزب الله» أنّ هناك مراجعة عونية – باسيلية لموقف «الحزب» من موضوع عدم قبول المجلس الدستوري الطعن الذي قدّمه نواب من «التيار الوطني الحر» في قانون الإنتخابات وتحديداً في موضوع تصويت المغتربين لناحية إذا كانوا يصوّتون لنواب يمثّلونهم حصراً، كما يريد باسيل، أو يصوّتون في الدوائر التي ينتمون إليها بحسب تسجيلهم في لبنان كما نصّ تعديل القانون في مجلس النواب في جلسته في 19 تشرين الأول 2021 التي كانت أيضاً مدعاة لاعتراض «التيار الوطني الحرّ» حول طريقة التصويت واحتساب الأكثرية والتي لم يراع فيها «حزب الله» حليفه العوني.

 

وقد سقط الطعن المقدّم أمام المجلس الدستوري في ظل الصراع الذي قام بين «التيار» والرئيس نبيه بري الذي وقف معه «حزب الله» في وقت لم يكن قد انفجر الخلاف بعد بين «التيار» و»الحزب» وإن كانت هذه الواقعة أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى التفجير خصوصاً أنّ «الحزب» اضطر إلى دعم «التيار» في تجيير أصوات شيعية إلى عدد من مرشحيه، وفي حمل الرئيس برّي على أن يكون مع «التيار» في لوائح موحّدة على رغم التسريبات الباسيلية التي أساءت إليه. بعد الخلاف جاء رئيس «التيار» جبران باسيل ليعيِّر «حزب الله» بأنّه نصحه بأن يتمّ قبول الطعن نظراً لتوقّعاته السلبية لنتائج تصويت المغتربين في غير مصلحته وخرج عن الصمت الذي كان يلفّ القضية ليقول إنّه لو قبِل «حزب الله» بالطعن لما كانت جاءت هذه النتيجة التي صبّت أصوات المغتربين فيها لمصلحة «القوات اللبنانية» وقوى التغيير معتبراً أنّ الإنتخابات أظهرت أنّه كان على حقّ و»حزب الله» على خطأ.

 

ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ قرار المجلس الدستوري كان يحكمه القرار السياسي وأنّ «اللاقرار» الذي صدر عنه في الطعن كان يمكن أن يتحوّل إلى «قرار» بقبول الطعن لو وافق «حزب الله» وحركة «أمل» على تأمين نصاب المجلس الدستوري وتصويت الأكثرية لمصلة قبول الطعن ولو وافقا على رأي باسيل. وإذا كان باسيل قد عيّر «الحزب» بهذه المسألة فإن «الحزب» أو الدائرين في فلكه لم يتوانوا، بعدما وقع الخلاف، عن تعيير «التيار» بأنّ عدداً من نوابه ما كانوا وصلوا إلى ساحة النجمة لولا الدعم الذي أمّنه لهم «الحزب» وبأن الكتلة التي يدّعي باسيل أنه يمتلكها ليست كلّها ملكه وأنّ «الحزب» يمكنه أن يستعيد ودائعه النيابية المحسوبة من حصة «التيار».

 

قضية خير الدين

 

الأمر الثاني الذي تكشّف خلال هذه المعمعة يتعلّق بالطعن الذي كان قُدِّم باسم «كتلة التنيمة والتحرير» والوزير السابق مروان خير الدين ضد النائب المنتحب فراس حمدان الفائز عن المقعد الدرزي في دائرة مرجعيون حاصبيا. فقد راجت معلومات عن أنّ خير الدين خضع لفحص سياسي حيث طُرِحت عليه مسألة مع من سيكون في الإنتخابات الرئاسية في حال تمّ قبول الطعن وتأمّن فوزه المتأخِّر بهذا المقعد وأنّ إجابته لم ترضِ الذين سألوه، وبالتالي سقط الطعن وبقي حمدان في موقعه من دون أن تصدر توضيحات لهذه المسألة عن خير الدين.

 

قضية بقرادونيان

 

المسألة الثالثة التي انكشفت أيضاً مع رفض «التيار الوطني الحر» عقد جلسة مجلس الوزراء، وإصدار بيان باسم تسعة وزراء قال إنهم لن يحضروا، كانت تتعلق بنيابة رئيس كتلة نواب الأرمن وأمين عام حزب الطاشناق النائب أغوب بقرادونيان. بعد مشاركة عضو الكتلة الوزير جورج بوشكيان في جلسة مجلس الوزراء على رغم أنّ اسمه أدرج بين أسماء لائحة الوزراء المحسوبين على النائب جبران باسيل وخروجه على قرار كتلته النيابية على رغم الإتصالات التي حصلت معه من جانب باسيل وبقرادونيان لحمله على المقاطعة، بعد هذه البلبلة التي تركها قراره حُكي عن أن بقرادونيان تعرّض لضغوط تتعلّق بقبول الطعن المقدّم من المرشح جاد غصن ضد النائب في «تكتل الجمهورية القوية» رازي الحاج في حال شارك بوشكيان في الجلسة، الأمر الذي يؤدي إذا حصل إلى فوز المرشح الأرمني على لائحة «الجمهورية القوية» على هذا المقعد آرا بردقجيان وبالتالي خسارة بقرادونيان لمقعده. هذا الكلام تردّد كثيراً في المرحلة التي رافقت المواجهة حول الجلسة وإن كان بقرادونيان نفاه لاحقًا بانتظار أن يتمّ البت بهذا الطعن الأخير الذي لا يزال ينتظر قرار المجلس الدستوري. ولكن ما يصح على هذا الطعن وعلى المجلس الدستوري أن القرار لا يمكن أن يصدر في ظل الخلاف بين «التيار» و»حزب الله» والرئيس بري نظراً إلى أنّ معارضة أي منهم تؤدي إلى عدم توفر الأكثرية اللازمة لاتخاذ القرار. فهل يمكن أن يخرج المجلس الدستوري من هذا الإطار السياسي الضيق ليصدر القرار؟ وكيف سيفصل بين الإستقلالية والتأثير السياسي؟

 

 

كل ذلك يدلّ إلى أنّ قرار المجلس الدستوري يمكن أن يكون خاضعاً للسلطة السياسية التي لها الفضل في اختيار أعضائه وإن كان رئيسه القاضي طنوس مشلب شدّد في أكثر من تصريح مترافق مع توالي إعلان نتائج بعض الطعون على أنّ المجلس سيد قراره ولا أحد يمكنه أن يضغط عليه رداً على تصريحات سياسية تحدثت عن تأثّره بالضغوط التي تمارس عليه.

 

مقعد رامي فنج

 

هذا التشكيك بدور المجلس الدستوري في هذه القضايا الثلاث كشف الطريقة التي كان «التيار الوطني الحر» يشارك فيها في صناعة القرار وفي تبرير علاقته المصلحية مع «حزب الله» وتحالفه معه وكشف عن الأسباب التي أدّت إلى فشل العهد وإلى وصول البلد إلى الإنهيار. وهذا التشكيك لم يقتصر على القضايا الثلاث المذكورة فقط بل تجاوزها إلى القرار الذي أصدره المجلس في 24 تشرين الثاني الماضي بقبول الطعن المقدم من المرشح فيصل كرامي ضد النائب رامي فنج عن المقعد السنّي في طرابلس واعتباره فائزاً بالمقعد، مع إعلان بطلان نيابة فراس السلوم، وفوز حيدر آصف ناصر عن المقعد العلوي في طرابلس. القاعدة التي اتبعت في الوصول إلى هذا القرار كانت كما أعلن رئيس المجلس الدستوري من خلال إعادة فرز عدد من الصناديق الأمر الذي أدى ألى حصول كرامي على عدد أكبر من الأصوات.

 

ولكن إذا كان الطعن تقدم على أساس أن فنج لم يتجاوز كرامي إلا بعدد قليل من الأصوات بحدود 85 صوتاً فإنّ العدد الذي أدى إلى تربيح كرامي لم يتجاوز هذا الرقم بكثير وهذا الأمر أعاد طرح علامات استفهام حول القرار الذي صدر إذا تم وضعه ضمن الإطار العام للسجال الذي دار بين «التيار» و»حزب الله»، خصوصاً أنّ القرار الذي صدر تضمّن حسابات تعداد أصوات الصناديق التي أعيد فرزها بنسبة صوت من هنا وصوت من هناك. وبحكم كون هذا الأمر لا يشكل اختلافاً بين «التيار» و»حزب الله» باعتبار أنّ كرامي يشكل تقاطعاً بينهما فلذلك كان من الممكن أن يصدر هذا القرار بينما ربما كان من الأفضل أن يكون القرار بإعادة الإنتخابات لأنه سيكون أكثر إقناعاً كما حصل في انتخابات 2018 بعد قبول الطعن المقدم من المرشح طه ناجي ضد النائبة ديما رشيد الجمالي وإبطال نيابتها وإعادة الانتخاب للمقعد السني الخامس في طرابلس.

 

هذا الأمر سيحرج المجلس الدستوري الذي لم يصدر قراره بعد في موضوع الطعن في المتن الشمالي مهما كان هذا القرار يمكن أن يكون موضع تشكيك بعد التسريبات التي حصلت وتستدعي من رئيس المجلس الدستوري تقويم الأمور وتوضيح الإلتباس الذي صدر نتيجة تصريحات سياسية من أطراف شريكة في التأثير على قراراته حتى لا يقال إن هذا المجلس ذهب ضحية الصراع بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله».