لم يتغيّر المشهد الداخلي بعد قرار التمديد للبلديات والمخاتير، وإقرار الزيادات على رواتب موظفي القطاع العام ورفع الحد الأدنى للأجور، حيث تراجع الخطاب السياسي العالي السقف لمصلحة الإحتكام إلى المؤسسات والنصوص الدستورية، من خلال مباشرة بعض النواب بالإستعدادات لتقديم طعن بقرار التمديد لدى المجلس الدستوري في المهلة القانونية المنصوص عليها في الدستور. لكن الطعن بتشريع التمديد الثاني للإنتخابات البلدية والمختارين، يواجه اليوم أكثر من سيناريو لجهة قبوله من المجلس الدستوري، أو ردّه، وذلك، بالإستناد إلى سابقاتٍ في هذا الإطار، وهو ما دفع أوساطاً نيابية محايدة، إلى اعتبار التمديد أصبح «وراء الجميع»، خصوصاً وأنه لم يكن متاحاً، ومن الناحية العملية، الدخول في عملية انتخاباتٍ بلدية واختيارية، في لحظة الشغور في الإدارات والإضراب في الدوائر والمؤسسات الرسمية، من دون إغفال الوضع المالي والإقتصادي المأزوم، وبالتالي، زيادة الإحتقان في الشارع في وجه كل الأحزاب والقوى السياسية.
لكن الأجواء السياسية ليست العائق الوحيد أمام سلوك الطعن بقانون التمديد في جلسة المجلس النيابي يوم الثلثاء الماضي، إذ تلفت هذه الأوساط، إلى أن الطعن بتشريع التمديد للبلديات في محطات سابقة، لم يستند إلى الأسباب نفسها التي سترد في الطعن الحالي، وذلك، نظراً لتفسير المجلس الدستوري للنصوص من جهة، وللظروف القانونية من جهة أخرى، خصوصاً وأن العملية كانت مدروسة، ولم تأتِ في إطار مخالفة الدستور أو التمديد من أجل التمديد، وإن كان العنوان العريض الذي رُفع في هذا الملف هو نقص التمويل، وعدم الوصول إلى الفراغ في المجالس البلدية ومراكز المختارين.
ومن هنا، تتابع الأوساط النيابية المحايدة، أن تقديم الطعن بالتمديد «البلدي»، يركّز على المخالفات الدستورية لجهة تشريع التمديد، بينما المجلس النيابي هو هيئة ناخبة، وليس هيئة إشتراعية، وبالتالي، فهو يواجه اليوم ردة الفعل التي سيقوم بها النواب التغييريون وحزبا «القوات اللبنانية» والكتائب الذين قاطعوا جلسة مجلس النواب، والذين يتجاوزون من حيث العدد الـ 40 نائباً سيعمدون على تقديم الطعن المذكور، وذلك تحت عنوان رفض التشريع في زمن الشغور الرئاسي، وليس أي عنوان آخر.
أما بالنسبة لموقف، أو مقاربة المجلس الدستوري لهذا الطعن، فإن الأوساط النيابية ترى، أنها بالتأكيد ستكون مختلفة عن المرات السابقة، وذلك نظراً لعدم التشابه في الأوضاع على أكثر من مستوى، وخصوصاً على المستوى السياسي والإداري، وبالتالي، فإن المجلس الدستوري، هو أمام تحدٍّ مفصلي، وذلك، لجهة إما العمل على تسيير المرفق العام وشؤون المواطنين وعدم تعطيلها من خلال التمديد للمخاتير والمجالس البلدية عوضاً عن الفراغ، وإما الحفاظ على الدستور، ورفض أي مخالفة لمواده، ولا سيما تلك المتعلقة بالتشريع وبتداول السلطة، وصولاً إلى تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات.
وفي هذا الإطار، فإن المطالبة بدورات متتالية في المجلس النيابي من أجل انتخاب رئيس للجمهورية تحت عنوان تأمين انتظام الحياة العامة، يلتقي بشكل غير مباشر مع موجبات تشريع التمديد الذي أتى أيضاً تحت العنوان نفسه، وبالتالي، فإن المجلس الدستوري، ولدى وصول الطعن إليه، سيواجه هذا الواقع، وهو ما سيحكم القرار الذي سيصدره.