Site icon IMLebanon

«الدستوري» يُبطِل ويَحذف ويُناقض نفسه في «الموازنة»

 

 

لم يُخفِ المجلس الدستوري، في قراره حول الطعون الخمسة المقدّمة، اعترافه بالفوضى التشريعية في المجلس، المخصّصة لإقرار مشروع قانون الموازنة في آخر كانون الثاني، ممّا انعكس على وضوح وتعديلات وإخفاء لبعض المواد، فلم يرَ ذلك مبرّراً كافياً لإبطال الموازنة كلّها، أو حتى عبر عدم وجود قطع حساب، معتبراً أن لا ضرورة للطعن بدستورية الموازنة من هذه الناحية.

بدرجة أولى، إرتكز الدستوري في مراجعته لبعض المواد على مَحضر جلسة الهيئة العامة في مجلس النواب، أي على ما يُحكى على الميكروفون فقط. علماً أنّ الجلسة حَفِلت بالنقاشات الجانبية وعُلوّ الأصوات من كل حدبٍ وصَوب، فلم يَعلم العديد من النواب الصيغة النهائية لصدور بعض المواد إلى أن نُشِرت الصيغة الرسمية.

وأصدر المجلس الدستوري قراره في مهلة الشهر القانونية، وهي مهلة جِدّ قصيرة نظراً إلى حجم قانون الموازنة والحاجة إلى التعمّق في دراسة العديد من المواد. بيد أنّه أبطَلَ 8 مواد بشكل كامل (40، 41، 56، 83، 87، 92، 94 و95) وحذَفَ أو عدّلَ 5 مواد أخرى (7، 10، 69، 86 و93)
ففي المادة 41، لم يُمرّر «الدستوري» إمكانية فرض ضرائب على «الأرباح التي حقّقها مُقيمون في الخارج»، فيما لم يوُضّح سبب إبطال المادة الـ92 التي تتعلّق بالربط بين صندوق الضمان الاجتماعي والمالية منعاً للتهرّب الضريبي، ممّا كان ليُوَسّع الصحن الضريبي للإدارة العامة مانعاً تحايُل أرباب العمل لخفض قيمة اشتراكاتهم في الضمان الاجتماعي.
التناقض بين «صيرفة والدعم»
كان للمادتَين الـ93 (ضريبة على المستفيدين من منصة صيرفة) والـ94 (ضريبة على المستفيدين من الدعم) حصةً بارزةً في السجال الذي حصل في جلسة إقرار الموازنة، وكذلك في التناقض الذي أصدره «الدستوري»، إذ ألغى الأخير جزئياً المادة 93، معتبراً أنّها ليست «غرامة أو غرامة استثنائية» بل وَجَبَ أن تكون ضريبة استثنائية، تِبعاً لمحضر الجلسة وقانون ضريبة الدخل الرامي إلى إخضاع كل دخل أو ربح مهما كانت طبيعتهما إلى الضريبة، ما لم يكن هناك استثناءً أو إعفاءً صريحان.
من شأن ذلك التعديل أن يُحسّن من العدالة الضريبية لأنّها فُرِضت على مَن حقّقوا أرباحاً كبرى مِن المنصة بطريقة «غير عادلة أو غير مستحقة». ومن الجدير ذكره أنّ المصارف كانت أبرز المعارضين لهذه المادة خصوصاً أنّها كانت أكثر مَن حقّق أرباحاً.

في المقابل، إنّ الأكثر غرابة كان غياب نظرة «الدستوري» تجاه المادة 94 في أن تكون مماثلة للـ93، فقرّر إلغاء الضريبة على الشركات والمؤسسات المتربّحة من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان لتغطية فروقات سعر صرف الدولار (10% على المبلغ الذي يفوق 10 آلاف دولار)، وعدم قبول اعتبارها «ضريبة استثنائية» (مثل المادة الـ93).
وجاء الإلغاء التام لهذه المادة بسبب غياب الوضوح بشأن الصيغة التي تمّت تلاوتها على الهيئة العامة في المجلس النيابي لمناقشتها والتصويت عليها، بالإضافة إلى «غياب الوضوح» بشأن نسبة أو قيمة الضريبة من «الأرباح المحقّقة أم مِن مجمل إيرادات الشركات».
علماً أنّ قانوناً تقدّم به النائب بلال عبدالله قد يتمّ إقراره قريباً في المجلس، ويرتكز على اعتماد هذه الضريبة على أرباح الشركات حصراً خلال 3 أعوام (2020، 2021، 2022)، ممّا قد يفتح أيضاً باباً قضائياً للتحقيق بالمخالفات في التربّح غير المشروع من الدعم.
إلغاء مواد للـ«فرسان»
من جهةٍ أخرى، ألغِيَت مادة «قانون طابع المختار» (40) على اعتبار أنّها من «فرسان الموازنة» وهي مختصة بشروط بيع وإلصاق الطابع، مخالِفةً المادة 83 من الدستور. كذلك، رأى «الدستوري» أنّ المادة 56 تمُسّ بقانون «إدارة وبيع أملاك الدولة الخصوصية» وتخالف الدستور، فوَجَب إبطالها.

بدوره، لم يُمرِّر المجلس الدستوري «فرض رسم على الشاحنات الأجنبية» (المادة 83)، معتبراً أنّ فرض رسوم وضرائب جديدة يكون عبر قانون (المادتَين 81 و82 من الدستور)، حتى أنّه لم يُثبِت حصول تصويت على هذه المادة في الهيئة العامة لمجلس النواب، أي أنّه لم يتمّ إقرارها بحسب الأصول.
فيما أُلغِيَت المادة 87 (تسوية على التكاليف غير المسدّدة المتعلقة بضريبة الدخل والـVAT)، نظراً لأنّها مخالفة لقرارَين سابقَين للمجلس الدستوري، بالإضافة إلى أنّها تخلّ بعمل لجان الاعتراض وبالعدالة الضريبية بين المواطنين.
تعديلات جزئية
عُدِّلت المادة السابعة المختصة بتحديد أصول إنفاق الهبات والقروض الخارجية، إثر كتاب من الأمانة العامة لمجلس النواب إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تشير فيه إلى تصحيح خطأ مادي. فيما ألغِي البند الثاني من المادة العاشرة (حظر إعطاء سلفات خزينة)، لاعتباره من «فرسان الموازنة» إذ يطغى عليه الطابع العقابي على الطابع المالي. وبإلغاء العقوبة أُبقِيَ على إمكانية سحب الحكومة لسلفات خزينة من دون أي رادع قانوني.
في المادة 69، أُلغِيَت الإعفاءات الضريبية على 5 سنوات، وفي هذه السنة المالية للسيارات شبه الهجينة (Mild-Hybrid) لاعتبارها أنّها غير هجينة ولا تعمل كهربائياً بصورة مستقلة عن محرّك الوقود. كما لم يُحذَف التخفيض الضريبي إلى 1% على 3 سنوات في المادة 86 الخاصة بأرباح التفرّغ العقاري، لأنّها تخالف مبدأ سنوية الموازنة.