ما كان ليخطر في بالنا أن نتوجّه اليكم وأنتم قضاة أخيار ومجلس حكماء وكلامكم الفصل. غير ان ما تعانيه البلاد من انهيار، وما نزل بالمؤسسات وخصوصاً القضائية من أضرار، وما تنامى الينا من احتمال نزولكم عند رغبة طرف سياسي في حرمان المغتربين حق المساهمة في التغيير خارج الضغوط والارتهان، تجعلنا نرفع خطابنا الى مقامكم، وهو سام في الشكل والأساس، كي تطمئن قلوبنا ونشعر ان قضية جوهرية مثل قانون الانتخابات في ميزان العدل وخارج ألاعيب السياسة والمحسوبيات.
وأنتم تباشرون مناقشة الطعن في القانون ندعوكم قبل أي شيء الى نصاب كامل لتحمّل المسؤوليات، ثم نطالبكم بأن تدرسوا الملف بما تمليه المصلحة العامة والضمير وأصول الديموقراطية، ليست بوصفها حكم الشعب فحسب، بل أيضاً لكونها مجموعة قيم لا يختلف عليها المتحضّرون من الناس وتعلمتموها في مدارج الحقوق وفلسفتها. فأنتم لستم مجرد قضاة يحكمون وفق النص بهامش محدود، بل في موقع من يملك حق الاجتهاد المفتوح، وهو لا يُعطى إلا للراسخين في العلم والفهم والنزاهة.
يا حضرات القضاة، نعلم ان السلطة الحاكمة، مجلس نواب ومسوخه مجالس الوزراء، عيَّنتكم جميعاً، وندرك ان اللعبة السياسية والطائفية أدت دوراً في التعيينات، لكننا لا نشكك في كفاءاتكم أو صدقيتكم، ونطرد فكرة الارتياب.
لن نكرر عليكم ما سمعتموه مئات المرات عن القاضي الذي وعد من عيَّنه بنكران الجميل. لكننا نقول لكم إن الوفاء يكون للمبادئ والأخلاق وليس للأشخاص. وبعض الذين ساهموا في ايصالكم يفتقدون الى ما يمكن الوفاء له أو الاقتداء به، لئلا نجرؤ بلا دليل قاطع على اتهامهم بالدناءة والإجرام.
لستم بحاجة يا حضرات القضاة الى من يخبركم عما آلت اليه أمور الناس. تعلمون ذلك من مدخراتكم التي سرقها “المصرف” والمصارف وبددتها أجهزة الدولة الفاسدة، وتدركون ذلك من قيمة تقاعد كل واحد منكم أو راتبه، وتعايشون مواطنيكم وتحولَ اللبنانيين الى شحادين على باب الله وأبواب السفارات. ولا يفوتكم أن الاقتصاد في موت سريري فيما المؤسسات الأمنية تصارع للبقاء.
لن نقول لكم إن الانتخابات حل سحري. هي الحل المتاح، وليس أمام اللبنانيين الذين مُنعوا بالقوة من التغيير وإطاحة سلطة الفساد أثناء انتفاضة المواطنية في 17 تشرين، الا الرهان على صناديق الاقتراع وحرية المهاجرين والمهجرين، علَّهم يخرجون من حفرة أغرقتهم فيها سياساتٌ فاعلُها معلوم والمتهمُ فيها وقحٌ لم يمْحُ البصمات. فعالِجوا الطعون، خصوصاً لجهة حق المغتربين في التساوي مع سائر المواطنين، بما يمليه عليكم واجبكم الوطني قبل القانوني، ولا تتأثروا برئيس ديني او دنيوي، فأنتم أكبر ممَّن عيَّنكم ومَن قيل إنكم تمثلونهم إذا نظرتم الى مرآة أنفسكم كما نطمح ان نراكم.
نعلم ما يعانيه سلك القضاء. لكن بعدما قطعنا الأمل وظننا ان الانصياع وتنفيذ أوامر السلطة باتا ديدن المؤتمنين على الحكم باسم الشعب، وجدنا في معمعة التحقيق بجريمة العصر في 4 آب أن خميرة بُناة لبنان لا تزال تسري في عروق قضاة، آثروا المواجهة وممارسة الواجب بدل الهروب او التحول الى أزلام وأقزام.
أنتم مثل أقرانكم، أساسٌ في استعادة دولة القانون. فلا تفرطوا بموجبات استحقاق دستوري… كونوا سيف العدالة من أجل لبنان، ولا تكونوا خنجراً مسموماً في ظهر مواطنيكم الأحرار.