على قاعدة «لا يجوز تغيير الأحصنة في مجرى النهر» صمد المجلس الدستوري بهيئته الحالية. فعلى رغم الحملات التي تعرّض لها إبان قراره بإبطال قانون الضرائب بالإجماع، والى تأكيد تماسك أعضائه، استعاد المجلس هيبته واعتباره بعد هزات «قوانين التمديد»، الى أن بات التغييرُ مستحيلاً قبل الإنتخابات. وهو اليوم في ورشة صيانة لمبناه ستنجَز قبل 6 أيار، ويستعدّ لأخرى إذا تلقّى نحو 100 طعن. فما هو المنتظَر؟
يشهد مبنى المجلس الدستوري هذه الأيام ورشة صيانة وترميم داخلية لا بدّ منها، فالقصر المتهالك يحتاجها منذ فترة ليستعيد رونقه شكلاً ومظهراً، قبل أن يدخل بعد 6 أيار المقبل ورشة من نوع آخر تتصل بما يمكن أن يتلقاه من طعون إنتخابية متوقع أن تفيض على مئة طعن على الأقل قياساً على حجم المخالفات التي تُرتكب قبل الإنتخابات وفيها وبعدها.
وهذا التوقع له مبرراته حسب خبراء دستوريين اشاروا بداية الى منبعَين بارزَين للطعون، أولهما مرتبط بالقانون الجديد للإنتخاب في حدّ ذاته وما فيه من نتوءات تقود اليها لأسباب مختلفة وأخرى بما تشهده العملية الإنتخابية من مخالفات وصرف نفوذ وما هو متوقع من ضغوط تمارَس على أكثر من مستوى.
وبالنسبة الى ما سمح به القانون الجديد، يشير هؤلاء الخبراء الى عدد من المنافذ التي تقود الى الطعن لمجرد إعتماد النظام النسبي والصوت التفضيلي ومنها:
- على خلاف ما قال به القانون القديم بات يحقّ للمرشح الى الانتخابات المقبلة التقدّم بالطعن امام المجلس الدستوري ليس بموقع المرشح الخصم في مقعده النيابي المحدّد وفق دائرته الضيقة ومذهبه فحسب، بل بكل أعضاء اللائحة المنافسة بعدما بات توزيعُ مقاعد الفائزين قياساً على حجم الحواصل الإنتخابية وأرقام الصوت التفضيلي المحقّق فانتفت المواجهة المباشرة بينهما.
- سمح القانون الجديد ايضاً بأن يطعن المرشح الخاسر بمقاعد رفاقه على اللائحة عينها التي خاض الإنتخابات من ضمنها، وهو أمر فائق الخطورة برّر اللجوء الى المعارك البينية بين أعضائها سعياً الى «الصوت التفضيلي»؟
- لم يعد التنافس محصوراً وفق القانون الجديد بين المقعد الماروني من هذه اللائحة مثلاً والمقعد الماروني المقابل، وبات الطعن وارداً بمقاعد الفائزين من مذاهب أخرى من ضمن اللائحة الواحدة ومن خارجها على حدٍّ سواء. فالجميع باتوا في مواجهة الجميع.
- قادت كثافة اللوائح الـ 77 التي تتنافس في الإنتخابات المقبلة الى مزيد من إمكان البحث عن ثغرات تقود الى الطعون. فوجود تسعة لوائح في دائرة واحدة مثلاً يقود الى التنافس بين عشرات المرشحين وباب الإلتباسات الذي يقود الى الطعون واسع وممكن عند أيِّ خطأ يُرتكب ويمكن التثبّت منه لتعزيز أيّ طعن.
- عدم تحديد الضوابط الإدارية واللوجستية بالتفصيل الواضح في مراكز الإنتخابات في الخارج فتح الأبواب على مصارعها امام الطعون.
وما زاد في الطين بلة أنّ كثيراً ممّا يُروى عن مصير «داتا» المعلومات التي جمعتها وزارة الخارجية عن المغتربين قد وضعتها في تصرّف أطراف في السلطة من دون أخرى عدا عن المخالفات التي تُرتكب من خلال نشاط بعض المرشحين المقتدرين على استغلال هذه الداتا في تنظيم اللقاءات الخارجية كما هو حاصل في البرازيل وأوستراليا وفرنسا وغيرها من الدول التي ستستضيف أقلامَ الإقتراع.
أما على المستوى الذي يمكن أن تسمح به الممارسات الإنتخابية فيمكن الإشارة الى النقاط الآتية التي تستدرج المرشحين الى الطعون ومنها:
- أنّ وجود اكثر من 16 وزيراً في الحكومة الحالية ورئيسها على لائحة المرشحين سيفتح الباب واسعاً امام كثير من الخروقات التي يمكن استغلالها للتقدّم بالطعون امام المجلس الدستوري. فالأنباء عن التدخّل في مجريات العملية الإنتخابية لا تغيب عن بال اللبنانيين. فما بين ساعة وأخرى تبرز رواية وواقعة تنمّ عن حجم استغلال السلطة في القطاع العام وفرض النفوذ في المؤسسات الرسمية والتي يمكن توثيقها لدى هيئة الإشراف على الإنتخابات بالدرجة الأولى وصولاً الى مرحلة تكوين المستندات اللازمة لطعن متماسك وقوي أمام المجلس الدستوري.
وفي هذا المجال يؤتى على ذكر القيود التي وُضعت امام هيئة الإشراف على الإنتخابات، فيتلمّس البعض من خلالها إمكان تراكم المخالفات الى مرحلة البتّ بها امام المجلس الدستوري وليس امامها. ويروى في هذا المجال – على سبيل المثال – أنّ أحد المرشحين رفع أمام الهيئة شكوى في حق أحد الموظفين الكبار الذي يستخدم نفوذه في مؤسسة يرأسها لمصلحة مرجعية كبيرة مرشحة للإنتخابات فرفعت الهيئة شكواه للنظر بها أمام «الوزير الوصي» المختص الذي هو في الوقت نفسه «المستشار السياسي» للمرجعية العليا ورفيق المشكو من تصرّفه. فكيف ستكون عليه معالجة مثل هذه المخالفة؟
والى هذه الظروف التي يمكن أن تقود الى عشرات الطعون امام المجلس الدستوري تجدر الإشارة الى أنّ عدداً من الشكاوى امام هيئة الإشراف على الإنتخابات لن يُبتّ بها على رغم ما أعطاها قانون الإنتخاب من صلاحيات تحدّث عنها الفصل الثالث في اكثر من 16 مادة من الفصل عينه. وهي تمتدّ بالتفصيل من المادة 9 الى المادة 24 ما يخوّلها البتذ بكثير من الشكاوى قبل بلوغ المرحلة التي تلي إعلان النتائج وفتح المهلة الجديدة للطعون امام المجلس الدستوري للراغبين بها.
ثمّة مِن الخبراء الدستوريين مَن يعتقد أنّ جهد هيئة الإشراف لن يذهب سدى فهي، ومن أبرز واجباتها، رفع تقرير نهائي عن مجريات العملية الإنتخابية خلال فترة شهر تلي إعلان النتائج الى المجلس الدستوري ليكون من بين المستندات التي عليه النظر فيها وإصدار احكامه بالإستناد الى ما جاء فيها لمصلحة الطاعن او المطعون بنيابته على حدٍّ سواء.
وعليه، فإنّ تعليق المادة 84 من قانون الإنتخاب لتجميد العمل بالمراكز الإنتخابية العامة الكبرى (ميغا سنتر) أو بـ «البطاقة البيومترية» لم يكن كافياً لحجب الطعون المنتظرة امام المجلس الدستوري. فأعضاؤه يستعدون لورشة كبيرة تلي العملية الإنتخابية ويتوقعون أن تكون المهمة كبيرة وشاقة إذا ما تقدّم امامهم ما يقارب المئة طعن. ولكن المهم أن تبقى محصورة بالأراضي اللبنانية إذ عليها أن تستعد لمواجهة طعون أخرى تتصل بالإنتخابات في أيِّ دولة في العالم، فكيف ستتصرف امام طعون تلحظ مخالفات يمكن أن تُرتكب في كندا أو أوستراليا أو البرازيل وفرنسا مثلاً.