Site icon IMLebanon

التحسُّن صعب قبل الاستحقاقات الدستورية المقبلة

 

في ظل هذه الأزمة الإقتصادية، والإجتماعية الكارثية، والتي يُعانيها كل اللبنانيين من خلال هذا الإنزلاق اليومي والدائم والمتتابع، والقاتل للإنتاجية والنمو والتنمية. على كل شخص أن يسأل نفسه ماذا نستطيع أن نفعل؟ وأي استراتيجية يُمكن أن نتّبعها؟

 

الاستراتيجية الوحيدة والواقعية التي أقترحُها ويُمكن تنفيذها بموضوعية هي استراتيجية النقطتين: النقطة الأولى، هي التركيز على أين نحن موجودون اليوم، وكل ما لدينا في مواجهة الأزمات المتراكمة. والنقطة الثانية تتعلق بالسؤال عن الإستحقاقات المقبلة التي يُمكن أن تُغيّر بعض الأجواء والوقائع الملبّدة. وإذا رسمنا خطاً يربط النقطتين، فهي الإستراتيجية أو الخطة الفريدة لأي شخص، التي يُمكن اتباعها في الوقت الراهن.

 

إذا ركّزنا على النقطة الأولى، أي أين نحن موجودون اليوم بكل شفافية وواقعية، القاصي والداني يعلم أننا مُكبّلون في قلب الكارثة الإقتصادية والإجتماعية، والتي تزداد يوماً بعد يوم، في ظل نقص متراكم في المواد الأساسية، مثل الوقود، والأدوية، والكهرباء، والنقل، والاتصالات والمأكولات، في ظل عدم وجود أي أفق للتغيير، في الوقت الراهن.

 

أما النقطة الثانية، أي ما هي المحطة الأولى مهما كانت كثرة التعاميم (148 و151 و152 وغيرها) والتي يُصدرها مصرف لبنان يومياً، فإنها لسوء الحظ، لن تُحل المشكلة من جذورها.

 

إن الإستحقاق الأول الجدي والدستوري في الأفق، هو بعد نحو سنة، وهو الإستحقاق الإنتخابي النيابي. ومهما كانت النتيجة، وحتى إذا كنّا نعلم واقعياً بأنها لن تُغّير حتى أكثر من 10 % في أحسن الظروف، لكن هذا الإستحقاق يُمكن أن يكون بداية تغيير في التحالفات والإستراتيجيات والرؤية، وأيضاً في الإنقسامات والتجاذبات أو في المصالحات والإصطفافات.

 

أما الإستحقاق الثاني فيتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، لأنه مهما كانت صلاحياته، فإنّ هذا الإنتخاب سيرسم ملامح المرحلة الجديدة، والتوجّه السياسي والإقليمي والإقتصادي والإجتماعي الذي ستنتهجه البلاد.

 

وحتى لو اتفق السياسيون على سلطة تنفيذية بعد أيام أو أسابيع أو أشهر، فإنه لسوء الحظ، ستكون حكومة إنتخابية بامتياز، وليست إصلاحية تستطيع إنجاز أي تغيير في الجو الراهن، والإنقسامات ومعارك النفوذ وقلة الثقة. على اللبنانيين أن يتهيأوا ويرسموا خطة للتعايش والتأقلم مع هذه الأزمة التي يُمكن أن تطول على هذا النحو 12 شهراً أو 18 شهراً على الأقل، قبل أي تغيير أو تحسّن ممكن.

 

إن الشركات في كل القطاعات المالية والصناعية والإقتصادية والتجارية والخدماتية، محكومة بالإندماج، أو الإنخراط، لأنه من المستحيل أن تواجه هكذا أزمات حادة الخطورة وطويلة المدى بمفردها.

 

من جهة أخرى إنّ الإنفتاح على العالم والتبادل التجاري، وبيع السلع والأفكار والنجاحات والمعرفة في المنطقة والعالم، لجذب بعض الإستثمارات أو السيولة الـ Fresh هو الحل الوحيد للبقاء على قيد الحياة في هذا الجو القاتم.

 

حتى أصحاب المهن الحرة عليهم أن يُسوّقوا ويبيعوا معرفتهم وقدرتهم إلى بلدان الخارج، وعليهم أن يتأقلموا في هذه الأجواء السائدة.

 

نذكّر بأن جائحة كورونا أدت إلى إفلاس الإقتصاد العالمي، لكنها جمّدت الإفلاس الراهن في لبنان. واليوم إن الإقتصادات العالمية تستعيد بناء إركانها، لكنّ اقتصاد لبنان فتح عينيه على الحقيقة المُرّة، والإنهيار الذي بدأ قبل الوباء.

 

إن الحل الوحيد لكل ريادي لبناني، أن يُثابر ويُجاهد لبيع خدماته وخبراته ونجاحاته وأفكاره، إلى خارج الحدود، ما يجعله يتطور ويتقدم مهما كانت الظروف. وهذا ينطبق على الطالب اللبناني، فنظرته إلى الخارج عليها أن تكون مبنية خصوصاً على الإستثمار والتميّز والتطور والتطوير المستدام.

 

أما بالنسبة إلى الشركات المقيمة في لبنان، فمهما كان حجمها وأرباحها وسيولتها، لم يعد في مقدورها أن تتابع عملها إلاّ إذا ضافرت جهودها مع شركات أُخرى، ونوّعت أعمالها وطوّرت معرفتها بالإنفتاح الإقليمي لا بل العالمي.

 

لقد تعلّمنا هذه الإستراتيجية الإنفتاحية من جدودنا الفينيقيين، الذين جالوا العالم بأساطيلهم المصنوعة من خشب الأرز، وسوّقوا سلعهم ومعرفتهم لكل أصقاع الأرض، وصدّروا الحرف والأرجوان، وخبرتهم ومهنيتهم ومعرفتهم وتسويقهم الريادي الذي منحهم القوة، لمواجهة كل أزمات المنطقة، كما وهبهم الصلابة للإستمرار والتطور الدائمين.

 

فالإستسلام لم يكن أبداً في قاموس جدودنا وفي حياة إخوتنا اللبنانيين، وجَلد النفس لم يكن أبداً من عاداتنا. الصمود والمرونة كانت ولا تزال من ركائزنا، والتميّز والتطوير والإستثمار والإنفتاح على العالم كان دائماً سرّ نجاحنا وبقائنا.