ها هي «حكومة الرؤساء» تترنح أمام الشغور الرئاسي الذي بلغ شهره السابع، فيما مجلس النواب في عطلة قسرية نتيجة هذا الشغور. لم يعد في البلد ما يفرج هموم الناس ويدير شؤونهم إلا وزراء يعملون بفعل الأمر الواقع، فيما يحتفظ كل منهم بورقة «الفيتو» وحق النقض للقرارات الكبرى والصغرى. لقد اصبح للبنان مجلس رئاسي بدل مجلس الوزراء، فانتصرت الطوائف وانهزمت الدولة ومواطنوها.
يجلس الرئيس تمام سلام على قمة الهرم الحكومي مكبل اليدين، يندب حظه الذي حوّل رئيس الحكومة الى وزير عادي لا يملك من الصلاحيات غير دعوة «مجلس الرؤساء» للانعقاد وفض الجلسات من دون قرارات تسمن أو تغني عن جوع. ومن حق سلام أن يعترض ويرفع الصوت عاليا وهو يعاين محضر الجلسة ما قبل الأخيرة للمجلس:
– خلاف بين حرب وباسيل حول أموال البلديات أرجأ بت الموضوع.
– خلاف على تثبيت المتعاقدين أرجأ بت الموضوع.
– خلاف على مشاريع طرابلس وتعيين مجلس إدارة المنطقة الاقتصادية أرجأ بت الموضوع.
– خلافات على مواضيع الزواج المدني والحوض الرابع في مرفأ بيروت وأوضاع كازينو لبنان، لم تسمح حتى بمناقشة هذه المواضيع.
– دان المجلس الاعتداء على حافلة الزوار اللبنانيين في دمشق وجريمة إحراق الطيار الأردني (ما شاء الله). وفوق هذا وذاك الموازنة مجمدة، التعيينات معطلة، مراسيم النفط مغيبة، المشاريع الحيوية متوقفة، الى آخر المنظومة. وليس على المواطنين بالتالي إلا أن يصبروا ويصابروا لأن الله مع الصابرين، ولأن الصبر مفتاح الفرج.
هذا الواقع المزري يعيد النقاش الى بيت القصيد: الدستور اللبناني. فمنذ العام 1992 برزت، بفعل الممارسة، ثغرات كبرى في هذا الدستور تستوجب التوقف عندها وتصحيح الخلل الوارد فيها. أكثر من عشرين مادة من هذا الدستور تتطلب التفسير أو التعديل، ومع ذلك لم تتجشّم الرئاسة ولا الحكومة ولا مجلس النواب عناء النظر الى هذه الثغرات، ومن بينها مسألة الشغور الرئاسي وتوابعه لجهة من يحل محل الرئيس في توقيع القوانين والمراسيم والقرارات، فكانت البدعة غير المسبوقة في تسليم جميع الوزراء، جميعهم من دون استثناء، رقاب البلاد والعباد لكي تلعب فيها أمزجتهم، وبين السياسيين في لبنان من لا يتورع عن إحراق البلد لإشعال سيجارة.
بالتأكيد ستجد المعضلات الحالية يوما ما، تسوية لها على قاعدة لا غالب ولا مغلوب. لكن ثمة مغلوبا واحدا في النهاية هو «الشعب اللبناني العنيد» الذي يدفع الأثمان الباهظة بفضل هذا النظام الطائفي البغيض الذي يعطل الدولة ويمنع تطورها باتجاه الفصل بين الإدارة والسياسة. ويبدو أن لا سبيل الى ذلك إلا من خلال مؤتمر وطني جديد يعيد صياغة النظام باتجاه المواطنة، ويبدأ ذلك بتصحيح الثغرات الواردة في مواد الدستور المشرّعة من دون مهل أو بدائل تصوّب المسار، كما وتمنع الطوائف من أن تتحكم في مصير البلاد والعباد بلا حسيب أو رقيب. وبغير هذا يصح المثل القائل: «فالج لا تعالج».