Site icon IMLebanon

البدع الدستورية  

 

فعلاً كان مفاجئاً ما طرحه وزير العدل سليم جريصاتي خصوصاً من موقعه الوزاري، وهو الذي كان في المجلس الدستوري، وهو متخصص في القانون، ولكن يظهر أنه قد فاتته خصائص التركيبة اللبنانية.

 

فالكلام الخطير الذي تفضّل به، لو كان وارداً كوجهة نظر لكان مفهوماً في بلد الآراء المختلفة والمتعددة، ولكن لا يمكن أن يمر هذا الكلام في الظروف التي يجتازها لبنان والمنطقة، فهو غير مقبول أبداً، بل هو مرفوض، خصوصاً أنّ جريصاتي هو في المسؤولية العامة ولا يحق له أن يقول ما قاله، من موقع الفريق حول التكليف لتشكيل الحكومة و»المهلة» للتأليف.

إننا نفهم أنّ أزمة تشكيل الحكومة ليست بسيطة بسبب العقد والشروط المتراكمة، والتي يتشبّث أصحابها بمفاعيلها الى أبعد الحدود.

ونفهم أنْ يُطرح موضوع الصلاحيات بين فترة وأخرى، وبالذات عندما تتأزم أي مسألة أو قضية، فهذا درج عليه المسؤولون والزعماء والقياديون عندما يرتأي كل طرف منهم أنّ مصلحته تقتضي العزف على هذا الوتر، وتر الصلاحيات، وضمناً وتر الإثارة المذهبية والطائفية.

ولكننا لا نفهم أن يتصدّى أحد الخبراء الدستوريين والقانونيين لقضية بالغة الدقة والحساسية، وهي مسألة «مهلة تأليف الحكومة»، وهل هذه المهلة استنفدت فعلاً أو لم تستنفد؟

لا نفهم ذلك ليس فقط لأنّ وزير العدل سليم جريصاتي مقرّب جداً من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بل لأنّ له باعاً طولى في المطالعات الدستورية والقانونية، ما نتفق معه وما لا نتفق، فكيف له أن يتحدّث عن «استنفاد المهلة» علماً أنّه لا يوجد أي نص دستوري، ولا حتى أي سابقة أو عرف، يحدّد مهلة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، فكيف يكون «استنفاد» بينما المهلة مفتوحة؟!.

صحيح أنّ المبدأ هو أنّ مَن يُكلّف تأليف الحكومة عليه أن يشكلها، ولكن الصحيح أيضاً أنّ أحداً ليس صاحب مصلحة في التأليف أكثر من الرئيس المكلّف، أكان اسمه سعد الحريري أو أي شخص آخر… فتأليف الحكومة هو هدف بحد ذاته، ولكن التأليف في أوضاع لبنان وتركيبته المعروفة ليس، ولا يجب أن يكون، على قاعدة الـ»كيفمكان»، إنما إنطلاقاً من المصلحة الوطنية اللبنانية العليا التي تقتضي، في هذه المرحلة بالذات، تأليف حكومة وحدة وطنية، لم تكن في أي مرة مطلوبة بإلحاح كما هي مطلوبة هذه المرّة.

ويتناول الوزير جريصاتي الكلام على رسالة (رئاسية) الى مجلس النواب بشأن التكليف والتأليف عملاً بأحكام المادة 53 (الفقرة 10) من الدستور وذلك مباشرة أو بواسطة رئيس مجلس النواب الذي يبادر في الحالين الى اتخاذ الإجراءات المنصوص عنها في المادة 145 من النظام الداخلي لمجلس النواب «تمهيداً لانعقاده بغية مناقشة مضمون الرسالة الرئاسية واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بالأكثرية العادية، كأن يصار مثلاً الى حث رئيس الحكومة المكلّف على اعتماد المعيار الواحد في التأليف» الخ… على حدّ قول جريصاتي، خاتماً مطالعته المطوّلة بالقول «يبدو أنّ الأمور بلغت مواقيتها وخواتيمها…».

ونود أن نشير الى أنّه لا يفوت الوزير صاحب المطالعة أن سحب التكليف غير وارد، وهو لم يذكره مباشرة، والواقع أنه في حال جرت محاولات لسحب التكليف فإنّ هذا سيفتح الباب على أزمة وطنية – دستورية كبرى نسمح لنفسنا بأنّ نسمّيها ستكون أزمة حكم مفتوحة على الاحتمالات كافة… بل على أخطر الاحتمالات.

وفي حال حدوث ذلك «لا يعود أي موقع محصّناً» كما بات معروفاً لدى القيادات وعامة الناس أيضاً… بل انّ التفاهمات على الرئاسات وأموراً ميثاقية أخرى ستصبح مطروحة وعلى نطاق واسع… وهذا ما يتعذّر تقدير أبعاده وتداعياته سلفاً!

فما هي الحاجة الى زج البلاد في هكذا مصير مجهول؟!.

أن يكون سيّد العهد مستعجلاً على التشكيل فهذا من حقه، ولكن الرئيس المكلّف هو أيضاً يستعجل التشكيل!

وفي تقديرنا أنه بدلاً من اللجوء الى البِدع الدستورية الهجينة، فليمشِ الجميع في هدي نصوص الدستور وروحه، وليتضافروا على الخير الذي هو اليوم تشكيل الحكومة، بمباشرة إزالة العوائق التي يضعونها ثم يأخذون على الرئيس المكلّف أنه لم يشكل الحكومة بعد!