IMLebanon

أولويّات لا تنتظر

 

نقف اليوم «على إجر ونص» حائرين بين العيش في أجواء انفجار كبير مفاجئ، وبين وضع استنزاف يحتم علينا استئناف التفكير في مشكلاتنا الجوهرية التي لا تقبل التأجيل وفي استحقاقاتنا الدستورية الشديدة الإلحاح، وهي اليوم أحد أسباب شلل دولتنا إزاء التطورات.

 

ولأنّ كارثة مثل «محرقة المستشفى المعمداني» لم تشكل انعطافة مفصلية نحو وقف النار والتمهيد لترتيبات، خلافاً لما أنتجته «عناقيد الغضب» في 1996، فإنّ ذلك يعطي اسرائيل «رخصة للقتل» في كل اتجاه، مثلما يمنحها قدرة عدم التسرع في حرب برية ضدّ «حماس» والتمهّل في أي خطوة قد تُخرج الجبهة الجنوبية من تسخين متوائم مع تهيُّب «حزب الله» الدخول في الخراب.

 

هذه المراوحة الدموية المتدحرجة تفرض علينا التقاط الأنفاس لرفع الصوت في عدة اتجاهات.

 

أولها، الأسف الشديد لتخاذل القيادات السياسية والدينية عن اتخاذ موقف صريح رافض للحرب، والتنديد بعجز الحكومة وخطتها للطوارئ المقتصرة على استجداء المؤسسات الدولية. ثم التأكيد على رفض انزلاق لبنان الى الحرب الواسعة، لأن شعبنا الذي يعيش حال انهيار ويتطلع الى استعادة دولته، شبع حروباً تتناسل منذ 50 عاماً، وخصوصاً أن الحرب الموعودة هي خيار حزب أحد المكوّنات، بالتحالف مع راعٍ إقليمي تتناقض أهدافه ومصالح لبنان والمصلحة العربية العامة.

 

ثانيها، دعوة حركة «حماس» في لبنان الى تشذيب خطابها وضبط انفلاشها الاعلامي. فعدا عن ان تسللاتها وصواريخها في الجنوب لن تؤثر في مسار الأحداث، فإنها تذكّر بـ«فتح لاند» وبحقبة علاقات فلسطينية لبنانية عدائية طواها اللبنانيون، والمسيحيون خصوصاً، وطوتها السلطة الفلسطينية بعد نقد محترم لتجربة منظمة التحرير في لبنان، ذلك أن اعتبار ممثلي «حماس» ان علاقاتهم السياسية والعسكرية والعقائدية مع «محور المقاومة» هي الناظم لوجودهم، ينُمّ عن قلة احترام للدولة اللبنانية وعن قصر نظر مَن لا يفكر في «اليوم التالي» لانتهاء هذه الجولة الخطيرة من النزاع.

 

ثالثها، إعادة إطلاق المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية، والحؤول دون ان تغطي التطورات على واجب استحق قبل نحو عام. وفي هذا الإطار علينا تذكير الرئيس نبيه بري بحديثه في جلسة «تجديد اللجان النيابية» عن وجوب التقاط فرصة التوتر الاقليمي لملء الفراغ، ولأن الرئيس بري يحب الأمثال الشعبية نقول له «بدل ما تقلها كِش، كسِرلها إجرها». يعني يا دولة الرئيس بادر فوراً- بحكم صلاحياتك ولتعود صمام أمان في الملمات – الى دعوة البرلمان الى انتخاب رئيس بلا شروط مسبقة. ونحن نقبل ان يكون استنكاف فريقكم عن التعطيل استثناءً، وكذلك التزامه الأصول الدستورية، أي أن يعدّل سلوكه «لمرة واحدة» إكراماً لحق اللبنانيين ببعض الاطمئنان اذا وقعت الحرب التي تتحملون مسؤولية تأييدها أو «بلع اللسان» إزاء من يرغب فيها أو ينزلق اليها.

 

تعقيدات الأزمة أكبر من تمنياتنا. لكننا يجب أن نتابع الدفاع عن حق أكثرية اللبنانيين الثابت في إعادة تكوين مؤسساتهم الدستورية، وفي المطالبة بتجنيب لبنان أتون النار مهما كانت المبررات.