IMLebanon

المواجهة مستمرّة حتّى تحقيق لبنان الجديد

 

كلّما لاح بصيص نورٍ في الأفق يستجدّ حدث إقليميّ أو دوليّ أو حتى محلّي يئدُهُ في مهدِهِ. وهذا ما يُطيلُ عمر الشغور الرّئاسي؛ حيثُ نجح محور الممانعة بتحويله رويداً رويداً إلى فراغٍ دستوريٍّ قاتل. وذلك بات واضحاً للعيان، حيث يُحكِم سيطرتَه على الدولة العميقة، لأنّه عاجز عن فرض مشروعه الأيديولوجي على كامل الـ10452 كلم2. فهل من سُبل باقية للمواجهة؟ وما هي خارطة الطريق، وكيفيّة تطبيقها؟

لقد أيقَنَ قياديّو «منظمة حزب الله» الفكريّون أنّ إمكانيّة فرض نهجهم الفكريّ على أترابهم في الوطن كلّه هي أمر مستحيل. ولعلّ ما أوردته هذه المنظمة في رسالتها المفتوحة الأولى التي وجّهتها إلى المستضعفين في لبنان والعالم سنة 1985 في الصفحتين 19 و20 منها الآتي: «إنّنا ندعو إلى اعتماد النظام الإسلامي على قاعدة الاختيار الحرّ والمباشر من قبل الناس، لا على قاعدة الفرض بالقوّة كما يُخيَّل للبعض!» يكشف خفايا مشروعها العقائدي.

من هنا، تبدّلت استراتيجيّتها إلى عمليّة الفرض النّاعم عبر التفاهمات والإغراءات. يعني ذلك ترهيباً وترغيباً. فالترغيب تُرجِمَ بتفاهم 6 شباط 2006 ليكرّس الذمّيّة بوجهها الجديد على قاعدة new look الذي يريّح المتردّدين. ودام مفعولها حتّى 15 أيّار 2022 حيث بات هؤلاء أقليّة ضمن الأقليّة. أمّا الترهيب فتجلّى في 7 أيّار 2008 ليسقط مفعوله على تخوم عين الرّمانة « قلعة الصمود» في 14 تشرين الأوّل 2021.

لذلك، انتقلت إلى تفكيك الدّولة العميقة عبر تعطيل مؤسّساتها كلّها. فما يحدث راهناً في موقع رئاسة الجمهوريّة يندرج في السياق نفسه. يبدو أنّ عمليّة التعطيل هذه ستطول لأنّ «المنظمة» تمّت مواجهتها بقوّة، عكس ما توقّعت. فترشيح النائب معوّض وتبنّيه من قبل ثلّة من النوّاب الكِيانيّين اللبنانيّين، إن نجح هؤلاء بالتوصّل إلى 65 صوتاً، وعلى ما يبدو باتوا قريبين من ذلك، سيُكسبانهم ورقة ضغط تستطيع أن تفرض واقعاً سياسيّاً جديداً. وهذا ما يخشاه محور الممانعة. لذلك يسعون إلى المزيد من الضغط على بعض النوّاب غير الثابتين. وما انتقال المنظمة إلى مبدأ «حوار التقيّة» إلا تماشياً مع سياساتها التعطيليّة هذه. ولقد أدركت أنّها لن تستطيع الاستمرار بالتعطيل، لأنّ صواعق الأزمة الاقتصاديّة لا تستثني أحداً.

لكن رهان هذا المحور ليس على قدرة اللبنانيين على المواجهة، بل هو على ملل المجتمع الدولي من عدم قدرة اللبنانيين ورضوخهم لسياسة الأمر الواقع. وذلك لهدفين: إمّا تفويض دولي بالسيطرة التامة. وإمّا البقاء في ثلاجة الانتظار. ويبدو أنّ بعض اللبنانيين ما زال يراهن على تدخّلات خارجية لتبديل موازين القوى السياسية؛ لكن زيارة بعض من تجرّأ اقتصرت على طلب مساعدات مالية أو عينية. وذلك لن يؤتي بأي نتيجة سياسيّة. لأنّ المطلوب هو الدفع باتّجاه الضغط السياسي. والوسائل ليست معدومة.

لا يحلمنَّ أحدٌ بعد اليوم بالرّضوخ ترهيباً أو ترغيباً للمشروع الذي تحمله «منظمة حزب الله» ومحورها. وذلك لأنّ اللبنانيين يعاينون يوميّاً الدرك الذي وصلت إليه هذه البلدان التي خرجت من تحت المظلة الدولية. نحن نعيش هذا الواقع ميدانيّاً منذ أن بات هذا المحور عبر حليفه الرئيس السابق ميشال عون متحكّماً برئاسة الجمهورية. لذلك سعيه للإطباق على الرئاسة الأولى من جديد؛ أو لتهميشها إن لم يستطع، عبر متابعة الحياة التشريعية في مجلس النواب الذي يملك مفاتيحه، وعبر السلطة التنفيذية التي تجمعه مع الذين يتحكّمون بمفاتيحها، رئاسةً وأعضاء، المصالحُ الشخصيّة.

مواجهة هؤلاء كلّهم واجب إن أردنا للبنان الحضارة أن يستمرّ. واستمراره يكمن بالحفاظ على هذه الصيغة الفريدة في العيش معاً، لكن طريقة هذا العيش هي التي ستختلف. وذلك لأنّ هذا المحور نجح خلال هذه العقود الأربعة بقطع الأوصال الوطنية مع قسم كبير من المجموعة الحضارية الشيعية؛ فضلاً عن نجاحه في شرذمة الجغرافيا الموحدة التي كانت تربط بعض المناطق على القاعدة الديموغرافية. وهذا ما يحتّم فرض صيغة جديدة للعيش معاً بعيداً من المركزية المعطَّلَة، وبعيداً من التقسيم الذي يضرب الفكرة الكيانيّة من جذورها؛ وحتى بعيداً من أي طرح فدرالي مقطّع الأوصال.

أمّا التطبيق فسيكون على القاعدة اللامركزية البلدية. لذلك سيعمَد هذا المحور إلى تعطيل هذه الانتخابات أيضاً بهدف ضرب «المومنتم» التغييري الممكن أن تحدِثَهُ لصالح المشروع الجديد الذي يتناقض حتماً مع مشروعه الايديولوجي. رئاسة الجمهورية آتية مهما تأخّرت. ولن يكون أي رئيس لا يحاكي تطلّعات أكثرية اللبنانيين. حتى الأصوات المقموعة، سيُسمَعُ صُراخُها. والتطبيق إن لم يكن من بوابة الرئاسة الأولى فهو سيصبح أمراً واقعاً مناطقيّاً. ولن يرضى عاقل أن يستمرَّ الوضع بما هو عليه. فالكيلُ طفحَ وأوانُ ولادة لبنان الكبير- الجديد بات حتميّاً ووشيكاً.