Site icon IMLebanon

تنظيم الفراغ لحين انتخاب رئيس جديد للجمهورية

 

 

إنّ الفراغ في المؤسسات الدستورية اللبنانية بات حتميًا، سواء إنتُخِبَ رئيس ضمن المهلة الدستورية أو تشكلّت حكومة ما بعد الإنتخابات. في علم السياسة يُعتبر الفراغ الدستوري وبكل مندرجاته، من أخطر المراحل التي تمُّرْ فيها البلاد في ظلّ أزمات سياسية – أمنية – إقتصادية – مالية – إجتماعية. كما يستطرد علم السياسة للإشارة إلى أنّ هذا الفراغ يؤثر سلبًا على مستوى الدولة بكافة بنيانها الوظيفي المدني والعسكري، وهو عمليًا وفق النص الحرفي لما يرد في المراجع الفقهية «حالة تفكُّكْ الدولة وبنيتها المؤسساتية، بسبب تعطُل مرجعياتها السياسية الدستورية بكافة مندرجاتها».

الخوف يكمُن في إصدار فتاوى وفتاوى مُضادة، منها ما يُربط بشرعية عمل الحكومة الحالية التي تُعتبر بحالة تصريف الأعمال واستنادًا إلى أحكام المادة 69 من الدستور وتحديدًا الفقرة /د/ تصبح الحكومة بحكم المستقيلة، وباتت صفة تصريف الأعمال تنطبق عليها من الناحية القانونية وفقًا للمادة 62 من الدستور، والتي تنص على ما يلي «لا تُمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلّا بالمعنى الضيِّقْ لتصريف الأعمال». لدى استشارة العديد من الفقهاء يتبيّن أنّ الدستور أناط العمل السياسي للسلطة التنفيذية مجتمعةً وأمام سلطة ومراقبة مجلس النوّاب، أي ربط ممارسة السلطة التنفيذية مهامها بالمجلس النيابي، وعمليًا يعني هذا الأمر تصريف الأعمال هو الحدّ من صلاحيات السلطة التنفيذية طوال فترة انعدام رقابة المجلس النيابي عليها». كما يعتبر بعض الفقهاء أنّ تقليص صلاحيات الحكومة وحصرها في ما يُعرف بـ»النطاق الضيِّق»، إلى الإضرار بمصلحة الدولة عبر ما بات يُعرف أيضًا بتعطيل عمل المؤسسات وتهديد استمرارية المرفق العام». إنّ ممارسة الحكومة الحالية لمهامها الضيِّقة شرط ضروري، إذ لا يجوز القبول بالفراغ المطلق في السلطة لحين تشكيل حكومة جديدة، علمًا أنّ عملية تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات طالها الزمن بسبب الشروط والشروط المضادة وتعنُّتْ الأفرقاء الحاكمين بأمرهم، والذين وصلوا إلى السلطة بموجب قانون إنتخابي أقل ما يُقال عنه قانون غير عادل وغير متوازن، أغرق البلاد في أزمات دستورية كبيرة.

 

 

إنّ الفراغ الدستوري في لبنان هو بمثابة تعطيل الآليات الدستورية لعمل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسة رئاسة الجمهورية، بسبب غياب نص دستوري يُحدِّدْ طريقة تسيير الدولة في حالة فراغ معينة، ويقتضي هذا الأمر عدم اتخاذ أي فِعْلْ إلاّ إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وفقًا للدستور. ومن أهم تبعات هذا الفراغ إنْ حصل، أولاً – الغياب التام لمفهوم الشرعية الدستورية للقوانين إلاّ بالمعنى الضيّق، وهنا يتخوّف المُشرّع من الاجتهادات والاجتهادات المضادة. ثانيًا – التحلّل الهرمي لمؤسسات الدولة من أي التزام قانوني تجاه موجبات النظام تجاه الشعب. وبناءً على هذين العاملين، إنّ للفراغ الرئاسي تبعات كبيرة وخطيرة ومنها: أ- عدم الصفة الشرعية للقرارات التي تتخذ في حالة شغور رئاسة الجمهورية. ب- عدم إمكانية إصدار موازنة سنوية. ج – تعطيل مصالح الناس، لاسيّما أنّ الوضعين الإقتصادي والمالي في حالة مهترئة. د – تبعات الأوضاع الأمنية وخطرها على السيادة الوطنية. ه – تشكيك المجتمع الدولي بِحُسنْ سير العمل في المؤسسات الرسمية.

 

 

إنّ المطلوب اليوم، واستنادًا إلى العلم السياسي، تنظيم الفراغ ضمن الأطُر الممكنة، وأنْ يكون من أولى أولويات الطبقة السياسية، علمانية وروحية وتجنُّبًا لأي انزلاق خطير في مرحلة دقيقة وحسّاسة قد تفضي إنْ بقيت الأمور على ما هي عليه إلى إنفراط الجمهورية بكل مؤسساتها، علمًا أنّها تُعاني من التفلّتْ الإداري وفقدان السلطة لهيبتها وضرب كل المقومات الديمقراطية ولمبدأ تداول السلطة بالطرق السلمية. ولعدم فتح الأبواب في لعبة الأمم التي غالبًا ما تنتهي لصالح الفريق الأقوى في البلاد، وفي ظلّ تبادل لغة التخوين والإقصاء والتعصُّبْ وضرب هيبة القضاء، إضافة إلى تصلُّبْ فكري من شأنه إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، عمليًا أصبح من المنطق التفتيش عن حل توافقي ضمن الأطار الدستوري، توصلاً إلى حل سياسي يُجسِّد إعادة الأمور إلى نصابها، منطلقًا من المبدأ الدستوري المعمول به.

 

 

للتخلّص من حالة الفراغ الحاصلة في البلاد، سواء أكان الفراغ على مستوى انتخاب رئيس أو عدمه، يكمن في خلق جماعات ضغط سياسية مستقلة، تتبنّى مشروعًا إنقاذيًا يُشرف ويرتبط بدور فاعل في ممارسة النظام، للتأثير على القرارات السياسية من الداخل، أي السعي إلى المُشاركة في السلطة السياسية كما ينص عليه القانون، وبصريح العبارة، جعل قرارات هذه السلطة الجديدة مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية تتطابق مع أفكار الفئات الممثلة داخل النظام، بالإضافة إلى إعتبارها المخرج اللائق للأزمة الرئاسية.

 

 

إنّ تنظيم الفراغ ضروري جدًا، وينجح هذا الأسلوب عندما يترافق التنظيم مع جماعة ضاغطة، وهذه الجماعة ليست مجرد مجموعة أشخاص عابرين، بل يكوِّنون كيانًا مستقلًا منظّمين سياسيًا – فكريًا – عقائديًا – ثقافيًا – إقتصاديًا – عسكريًا، جديرين بتحمُّل المسؤولية ويؤثرون على الرأي العام، تجمعهم المصلحة الوطنية العليا، ولهم هدف واحد مُجرّد من كل مصلحة خاصة. إنّ تنظيم الفراغ مرحليًا من شأنه إنقاذ لبنان من ويلات الانقسام والارتهان والاستسلام والتخلّي عن السيادة والتأكيد على ضرورة الإيمان المطلق بالحقوق الأساسية للفرد اللبناني وبكرامته وبما له من حقوق وواجبات ومسؤولية.

 

 

تجُنّبًا لأي جدل عقيم في ما بين المكوّنات السياسية، وتجنّبًا لأي حالة فراغ في مؤسسات الدولة، وتجنُّبًا لعدم إثارة مخاوف بعض اللبنانيين من خطر الاتفاقات الثنائية والإلغائية، علينا تكوين جماعة سياسية تحترف العمل السياسي النبيل، يجتمع أفرادها في تنظيم وموقف واحد، تجمعهم المصلحة العامة، وتهتّم بحلحلة موضوع تنظيم الفراغ لحين انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُحاكي مندرجات الدستور اللبناني المهمل عمدًا، ولإعادة الأمور الدستورية إلى نصابها القانوني.