IMLebanon

مخالفة دستورية: ردمُ الحوض الرابع يُغيّر الحدود؟

يُفترَض أن يفتحَ ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت، بما شَكّله من مخالفات، نقاشاً دستورياً يضاف إلى النقاش القانوني والمالي. لم يكتفِ المعترضون بالمعالجات الوزارية والسياسية، فنَقلوا المعركة إلى القضاء المختص من خلال الدعوى التي رُفِعت أمام قاضي الأمور المستعجلة بجرم مخالفة الدستور من خلال التلاعب بالحدود، وهو ما ينسحبُ على الحدود البحرية للبنان. كيف ولماذا؟

في زمن اللجوء إلى استخدام كلّ ما يؤدّي إلى فرض الحلول بقوّة الأمر الواقع، وسياسة إقفال الطرُق وبوّابات المؤسسات، لجَأ المعترضون على ردم الحوض الرابع إلى القضاء لمنعِ اكتمال العملية، لِمَا تشكّله من مخالفات دستورية.

وتقول المراجعة التي رُفعت الى قاضي الأمور المستعجلة لبيب زوين إنّ الردم القائم بقرار هيئة إدارية موَقّتة تدير مرفقاً عاماً يشكّل مسّاً خطيراً بالمادة 3 من الدستور التي تقول: «لا يجوز تعديل الحدود الجغرافية للأقضية إلّا بموجب قانون».

وعند البحث في مضمون المادة، ظهرَت المخالفة المرتكَبة، لأنّ الردم يُعيد النظر في الحدود البحرية لمدينة بيروت، إضافةً الى كون الحوض نفسِه قد أنشِئ والحوض الخامس بالمرسوم 9040/96 ووقّعه آنذاك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيرا الأشغال العامة والمال، واعتبروهما من المنفعة العامّة.

ومنذ ذلك التاريخ لم يصدر أيّ قانون يسمح بالردم أو يخالف هذه المادة الدستورية، ولا ما نصَّ عليه المرسوم، ما يؤدّي إلى اعتباره نافذاً بلا نقاش، وأيّ مرسوم لا يُعَدَّل إلّا بمرسوم، حسب أبسط القواعد القانونية والدستورية.

وبناءََ على ما تقدّم، اعتبرَت المراجعة أنّ كلّ القرارات التي أصدرَتها الهيئة الموَقّتة لإدارة المرفأ في شأن الردم، والتواقيع التي كرّسته، من توقيع وزير الوصاية وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر إلى توقيع رئيس الحكومة تمّام سلام تجاوزاً لحَدّ السلطة، وبالتالي فهي منعدمة الوجود قانوناً. وهو ما يقود الى ضرورة التوقّف فوراً عن أعمال الردم تحت طائلة المسؤولية.

ليست المرّة الأولى التي طُرحت فيها هذه الإشكالية القانونية والدستورية، ومنعاً لأيّ أمر واقع جديد يمكن أن يفرَض في المرفأ، فقد طُرِحت قضية مشابهة عند قيام «سوليدير» بردمِ البحر عند الواجهة البحرية لبيروت.

عندها تقدَّمَ متضرّرون بمراجعة امام القضاء المختص، فتوقّفَت أعمال الردم فوراً. وفي خطوة قانونية تلَت المراجعة، لجأت الشركة الى استصدار قانون سَمح لها بالردم تأسيساً على النيّة بترميم وتجميل الواجهة البحرية واستثمارها، في اعتبارها فرضَت تعديلاً على حدود بيروت البحرية.

ولاحقاً صدرَ مرسوم آخر سَمح لشركة سوليدير باستكمال الردم كما جرى لاحقاً بكلّ ما حمَله من تفاصيل اتصلت بتحديد الأراضي المردومة والتي يمكن أن تستثمرها الشركة وفق قوانينها العقارية، وتلك التي اعتُبرت من الأملاك العامة كالطرُق والمنشآت العامة العائدة للمؤسّسات العامة كالكهرباء والماء وغيرها من الخدمات المتوافرة في المنطقة المُحدَثة بعملية الردم.

أضِف إلى ذلك، ولأنّ المشروع ليس جديداً، إنّما هو محاولة لفرضِ أمرٍ واقع جديد يخضع للمناقشة منذ أعوام عدة، فقد كشفَ المتعاطون بالملف وجودَ محضر بقرار لمجلس الوزراء اتُّخِذ عام 2007 بناءً على طلب الهيئة الموَقّتة لإدارة المرفأ، قال بإعطاء الإذن للتوسّع في اتّجاه الأراضي المملوكة من الدولة المتوافرة قربَ الأسواق الشعبية بهدف توسيع مساحات التخزين على البرّ وليس في البحر.

وبعدما عدّدت المراجعة حجمَ الأضرار اللاحقة باللبنانيين، شركاتٍ وأفراداً من المستثمرين والعاملين في المرفأ، دعَت إلى التراجع عمّا نُفّذ حتى الآن، ووقف ردم 160 ألف مربّع من سطح المياه، لِمَا شكّلته من مخالفة دستورية تُرتَكب عن سابق تصوّر وتصميم في غياب رئيس الجمهورية، وإعادة الوضع الى ما كان عليه – إنْ صَحَّ أنّها قطعت شوطاً بعيداً- وإزالة المخالفات المرتكبة، بما فيها إعادة رفع الردم من عمق الحوض جرّاء قيام أيّ أعمال ردم تخالف مقتضيات الدستور وما تقول به القوانين المرعيّة الإجراء. وفي الخلاصة ثمَّة مَن يسأل: هل يفتح ملفّ إعادة حفر الحوض الخامس الذي رُدِم في غفلة من الزمن بعيداً من العيون المفتوحة اليوم على الرابع؟