صالونات بيروت مليئة بتحليلات عن حلول قريبة مقبلة للمنطقة وخاصة سوريا، ومن ثمّ كل فريق يتمركز من أجل أن يحصد ما يستطيع عندما تأتي الساعة. كذلك يدور كلام على أن المسار الذي يقوده العماد ميشال عون، بدعم من «حزب الله»، هدفه الوصول بحسب تحليلات الصالونات تلك الى مؤتمر تأسيسي مجهول النتائج، وأن المكون المسيحي سيكون الخاسر الأكبر لأن الديموغرافيا ليست لصالحه.
لنفترض جدلاً ان المستجدات المحلية والاقليمية ارتأت أن ليس ثمة حل لأزمة الحكم في لبنان، الا باجتماع المكونات اللبنانية بأفرقائها الى طاولة مستديرة لا تُدعى بالضرورة «مؤتمراً تأسيسياً». ماذا يكون جدول الاعمال؟ كل شيء على طاولة البحث ابتداءً بصلاحيات الرؤساء الثلاثة ومجلسي الوزراء والنواب، والتوزيع العددي للنواب والوزراء، وعلاقة الوزير بالمدير العام، وإدارة المصالح والمؤسسات والمجالس المرتبطة برئاسة الحكومة وعلاقة كل منها بالوزير المختص، الى قانون جديد ومنصف وعادل للانتخاب، وآلية جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية في موعده، وأسلوب اختيار رئيس الحكومة والمهلة المعطاة له لتشكيل الحكومة وغيرها وغيرها.
لن ينتهي مؤتمر كهذا من دون موافقة كل المكونات اللبنانية على شراكة حقيقية ودستور جديد. بكلام آخر، لن تكون هناك خاتمة للمؤتمر من دون ان يشعر كل مكون في لبنان انه رابح.
كذلك، فإن المكون المسيحي المتمثل بأفرقائه كافة، الذي يخشى عليه بعض الغيارى من الخسارة في هذا المؤتمر، لن يكون همه التخلص من أحدهم كما الحال في الاجتماعات التي قادت الى اتفاق الطائف. ان ورقة النيات، وقيادة بكركي وحيادها، وتجربة فترتي الوصاية السورية وبعدها، لن تسمح الا بأن يكون «الدور المسيحي» على أجندة كل الافرقاء المسيحيين، لأنه اساسي لعودة الاستقرار الامني والازدهار الاقتصادي الحقيقي الى لبنان.
تشير المقارنة بين 32 عاماً قبل حرب 1975 و25 عاماً بعدها، من دون اي شك، الى ان الاستقرار الامني والازدهار الاقتصادي والعيش المشترك كانت أمتن وأقوى في فترة ما قبل الحرب برغم الهيمنة الفلسطينية على مقدرات السياسة اللبنانية بين عامي 1968 و1975، مقارنة بسنوات ما بعد الحرب التي تتميز بعدم الاستقرار وازدهار الاقتصاد الريعي والوهمي والاحتكار والفساد.
لكن هل أن لبنان في حاجة الى مؤتمر تأسيسي؟
الجواب لا. من دون الإنكار بأن هناك أزمة حكم مستعصية منذ عام 2005 بعد انتهاء عهد الوصاية السورية على لبنان.
لمعالجة أزمة الحكم، عقد «مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية» مؤتمراً الخريف الماضي بعنوان «أزمة تكوين السلطة»، اشترك فيه ممثلون عن معظم الاحزاب والافرقاء السياسيين اللبنانيين. وضع المركز توصيات بناءً على الاقتراحات التي وردت من المشاركين في المؤتمر، وقد صدر هذا الاسبوع كتاب يتضمن المداخلات والتوصيات، بالاضافة الى لقاء حواري مع دولة الرئيس حسين الحسيني.
تشدد مقترحات المركز على ان لبنان ليس في حاجة الى تغيير جذري لإصلاح أحواله، إنما تطبيق اتفاق الطائف بعد إجراء تعديلات طفيفة عليه. لاحظت اقتراحات المركز ايضاً ثلاثة أمور أساسية إذا ما عولجت بحكمة وتروّ ومشاركة حقيقية، يمكنها المساهمة بفاعلية في حل أزمة الحكم ووضع لبنان على الطريق السليم كي يصبح دولة عصرية، تقتدي بها الدول التي تواجه مشاكل «إدارة التعددية» في المنطقة والعالم.
هذه الاقتراحات هي:
1- الاتفاق على قانون انتخاب «يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل». بكلام آخر، من الضروري للنظام الانتخابي المعتمد ان يوفر للبنانيين جميعا:
أ ـ ميثاقية وطنية (تعددية التمثيل ضمن كل من المكونات اللبنانية) تسمح بقيام اكثرية واقلية نيابيتين متعددتين، لا تشعر معهما اي طائفة بإنها مغبونة.
ب ـ ميثاقية طائفية تسمح لكل مكون لبناني بالتمثيل العادل بحسب مقتضيات الدستور.
ج ـ توفير المنافسة في الانتخابات لتحسين نوعية التمثيل والتقليل من فاعلية «البلوكات» والمال.
2- الاتفاق على آلية دستورية جديدة وحاسمة لانتخاب رئيس الجمهورية في الموعد المحدد. وضعت الآلية الراهنة منذ ما قبل الاستقلال وكُرّست في اتفاق الطائف في زمن الانقسامات الطائفية، ولم تعد ذات جدوى في الوضع الحالي المتميز بالانقسام المذهبي في لبنان والمنطقة.
3- بسط سلطة الدولة على كل أراضي الوطن يتطلب:
أ ـ إلغاء الوجود المسلح لكل القوى غير اللبنانية، كي لا يتكرر ما حدث في أواخر الستينيات وسبّب الحرب الاهلية والاقليمية.
ب ـ العمل على تجهيز الجيش اللبناني ليصبح جيشاً رادعاً لأي اعتداء على لبنان من أرضه، وعلى أرضه.
هذه الاصلاحات، إن تحققت، تعفي لبنان من مؤتمر تأسيسي وتحدّ من التدخل الخارجي، وتأتي بالاستقرارين الامني والسياسي، وتجلب الازدهار الاقتصادي، وذلك لأن كل مكون لبناني سيشعر بأن حقوقه ووجوده ودوره تأمنت بمساعدة المكونات الاخرى، الشريكة في صنع الوطن والمواطنة الحقيقية وضمانها.