الاستحقاق الرئاسي زاد هاجس القيادات اللبنانية أينما حلت أو ارتحلت، البطريرك الماروني مار بشارة الراعي في باريس، والرئيس سعد الحريري في واشنطن، وقبلها في الرياض والقاهرة وأنقرة وباريس، وبعدها في موسكو قريباً.
وبعد كل لقاء، الاستحقاق الرئاسي على كل شفة ولسان، وكما في الخارج، كذلك في الداخل، مع اختلاف المنطلقات، ففي الخارج يتمنون على اللبنانيين وللبنانيين رئيساً، أما في الداخل، فإنهم ينتظرون كلمة السر الخارجية.
بنظر أحد الفلاسفة الأميركيين، ان ثمة ثلاثة شروط يحق بها للمرء أن يسمو على سواه: الموهبة والعبقرية وسمو العاطفة، بما في ذلك الاعتماد على النفس الذي هو من حظ الطبائع الملكية.
لكن هذه الفضيلة تصطدم عندنا بعادة الاتكال على الغير، ويبرر أحد السياسيين ذلك بالقول، أصعب على الطبيب أن يداوي نفسه بنفسه، اذ يصبح نفسه أسوأ زبائن نفسه…
من هنا، نرى القيادات والمرجعيات اللبنانية تذهب الى الخارج طلباً للشفاء، لتكرس المثل القائل: الكنيسة القريبة لا تشفي…
وطبعاً ليست القيادات ملامة ولا المراجع، فللظروف أحكامها بالتأكيد، وبمعزل عن مسؤولية اللبنانيين في ما انتهى اليه حال وطنهم، لا يمكن تجاهل الصراعات الاقليمية الممولة دولياً، في بلوغهم هذه الحال.
لكن، للرئيس الراحل فؤاد شهاب قولا مأثورا، وخلاصته انه اذا قررت اللعبة الدولية تحويل بلدك ملعباً، رغما عنك، فإنك تستطيع عدم المشاركة في اللعبة على الأقل.
إنها سياسة النأي بالنفس التي اعتمدها الرئيس ميشال سليمان في اعلان بعبدا الشهير، بصيغة مختلفة وظروف مختلفة.
بيد أن بعض الأطراف اللبنانية وجدت مصلحتها في أن تكون شريكاً باللعبة طمعاً بالمغنم، وليس مجرد متفرج وهون حطنا الجمّال…
المرجعيات السياسية والدينية تطالب بملء الشغور الرئاسي، فيأتي الجواب بالتجاوب مرفقاً بكلمة ولكن…
لكن بعد تكريس الاتفاق النووي الأميركي – الايراني… وبعد حل مشكلة التمدد الايراني في عمق الجغرافيا العربية، تحت مظلة الشعارات الاسلامية، ونصرة المظلوم، والغيرة الزائدة على القدس وفلسطين، وبعد حل أزمات العراق وسوريا وليبيا، وربما مشكلة الاحتباس الحراري أيضاً…
واذا بالغت بالمطالبة والالحاح، يكون الجواب، المسألة مسؤوليتكم، وما نستطيعه بالنسبة اليكم الآن، مسألتان ضروريتان: الاستقرار السياسي والأمني، وتعزيز الجيش كي يصبح قادراً على مواجهة الارهاب، أي ارهاب…
أما الرئاسة المكملة لهيكلية الدولة الديمقراطية فإنها ليست ضمن الأولويات الاقليمية أو الدولية، وطالما انها في رأس اولويات اللبنانيين، فلماذا لا ينطحون الزاد بالاعتماد على الذات؟
هنا نعود الى الأطراف المحلية المشاركة باللعبة الاقليمية، فنجد أن بعضها ينظر الى الرئاسة كحقل استثمار لمصالح وأهداف خارجية، والبعض الآخر، يشترط أن تكون الرئاسة على قياسه أو لا تكون، وهو للوصول الى هذا يتفنن في وضع العصي في الدواليب، دواليب الحكومة ودواليب مجلس النواب، فضلاً عن دواليب العلاقات اللبنانية – الخليجية التي هي متنفس الاقتصاد اللبناني الوحيد، حتى بتنا أمام مجلس نواب عاجز عن انتخاب رئيس، وممنوع من التشريع، وحكومة عاجزة عن اعداد موازنة، ومتعاجزة عن اجراء التعيينات العسكرية والمدنية، بمبررات دستورية حيناً وأحياناً من دون مبررات.
وخلاصة الوضع، رئيس مجلس النواب نبيه بري يلوّح بمطالبة الرئيس العتيد بحل مجلس النواب فور انتخابه، وكتلة التغيير والاصلاح تهدد بالانسحاب من الحكومة في حال اعتماد التمديد للقيادات العسكرية والأمنية!
عندها نصبح برئاسة جمهورية شاغرة منذ أحد عشر شهراً، ومجلس نواب فاقد للأهلية الانتخابية والتشريعية، وحكومة تصريف أعمال، في أفضل الأحوال.
الكباش الراهن قائم حول مسألة التمديد للقيادات العسكرية، كتلة العماد عون ترفض التمديد للعماد قهوجي، وترشح العميد شامل روكز للقيادة، وإلاّ سيكون أبغض الحلال عند رعاة الوضع اللبناني، أي الانسحاب من الحكومة وبالتالي تعميم الشلل على كافة المؤسسات الدستورية، ولو أفضى ذلك الى المؤتمر التأسيسي الهادف الى إحلال المثالثة بدلاً من المناصفة، بين المسلمين والمسيحيين…
الرئيس فؤاد السنيورة أيّد اختيار العميد روكز لقيادة الجيش، شرط ان يسحب العماد عون نفسه من السباق الى الرئاسة…
واقتراح السنيورة منطقي بامتياز، إذ من غير الطبيعي أن يتحوّل لبنان الى يمن علي عبدالله صالح، هو رئيس ونسيبه قائد للجيش وابنه قائد الحرس الجمهوري، وهلمجرا…
لكن ليس هذا منطق الأمور في عالم الأنا أو لا أحد، وهذا يدركه الرئيس السنيورة بالطبع.