أعلنَت الفاعليات الصيداوية السياسية والنيابية والحزبية تضامنَها مع الفلسطينيين في مخيّم عين الحلوة، داعيةً إلى وقفِ بناء «الجدار العازل» بين المخيّم وصيدا، «لأنّه قد يهزّ العلاقة اللبنانية – الفلسطينية». وقد شكّلَ هذا الملف محورَ بحثٍ في ثكنة محمد زغيب العسكرية بين مدير فرع مخابرات الجيش في الجنوب العميد خضر حمود وممثّلي الفصائل الفلسطينية، في وقتٍ تظاهرَ شباب المخيّم احتجاجاً.
عُقِد لقاء أمني لبناني فلسطيني، بين العميد حمود ووفد موحّد من القوى الفلسطينية، ضمّ ممثّلين عن فصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» و«تحالف القوى الفلسطيني» و«القوى الإسلامية» و«أنصار الله»، بَحث خلاله المجتمعون في بناء الجدار الإسمنتي حول مخيّم عين الحلوة وما أثاره من ردود معارضة.
وتمنّت القوى الفلسطينية على حمود وقيادة الجيش اللبناني «تجميد العمل بالجدار لمهلة عشرة أيام حتى تجتمع القيادة السياسية الفلسطينية الموحّدة وكلّ القوى في ما بينها وتتّخذ قراراً موحّداً تجاه هذا الموضوع، ويكون أيضاً قد تمّ الانتهاء من مؤتمر «فتح» في رام الله ليتمّ بعد ذلك التوافق على الإجراءات الأمنية البديلة لِما فيه مصلحة الجانبَين اللبناني والفلسطيني».
من جهته وعد حمود بـ«رفع طلبِ القوى الفلسطينية إلى وزارة الدفاع في اليرزة للموافقة عليه».
وفي السياق، أكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش كان قد أخذ في الاعتبار كلّ مطالب الجهات الفلسطينية في موضوع الأبراج، لكن يبدو أنّ هؤلاء لا يتعاملون بطريقة إيجابية وينكِرون الجميل رغم كلّ ما قُدّم لهم».
ولفتَ إلى «دليل إضافي على عدم امتثالهم لطلبات الجيش، وهو إيواؤهم لجميع الإرهابيين الخطيرين رغم طلب الجيش منهم عدمَ استقبالهم ورغم كلّ الإثباتات التي كانت تؤكّد تحضيرهم لعمليات ضده».
وكشفَ المصدر أنّ «هذا القرار ورغم تنفيذه حالياً لكنّه متّخَذ منذ العام 2010 ولم تتّخذ قيادة الجيش قراراً بإلغائه حتى الساعة، علماً أنّ الفلسطينيين يُجرون اتّصالاتهم مع الجهات الفلسطينية السياسية»، ملاحظاً أنّ «الجهات المعترضة حاليّاً كانت قد شاركت في جولة الجيش التي قرّر خلالها أماكن بناء الأبراج، وكلّ اعتراضاتهم أُخِذت في الاعتبار آنذاك».
وعن تعريض حياة عمّال بناء الأبراج للخطر، كرّر المصدر قوله إنّ «الجيش علم بتهديدات عن استهداف المجموعات الإرهابية في المخيّم للعمّال أثناء بنائهم الأبراج بهجمات مسلّحة، وسلّمها إلى الجهات الفلسطينية المعنية، مؤكّداً وقتَها أنّه سيتمّ التعامل مع أيّ اعتداء من هذا النوع بجدّية قصوى»، مشيراً إلى «أننا نعتبر أنّ هناك حملة على الجيش بدأت بعد الأقاويل التي انتشرت حول تعرّض عماد ياسين للتعذيب، ومنعِ الجيش الزيارات له، علماً أنّه لا دخلَ للجيش بياسين، بل إنّ النيابة العامة فقط مخوّلة إعطاء الإذن بكلّ ما يخصّه».
بدوره، جدَّد مصدر مواكب لـ«الجمهورية» التأكيد أنّ الجدار هدفُه «منعُ التسلّل ولا يستهدف أبناءَ المخيّم»، مشيراً إلى وجود أكثر من 35 مطلوباً خطراً داخل المخيّم لم تسلّمهم القوى الفلسطينية إلى مخابرات الجيش، ومنهم بلال بدر وأسامة الشهابي وغيرهما ممَّن تلوّثَت أيديهم بقتلِ الجيش و«اليونيفيل» وحتى ضبّاط من «فتح». فيما المطلوبون الذين تمّ تسليمهم هم من المحكومين في قضايا صغيرة كتجارة المخدّرات والانتماء لمنظمات إرهابية».
إجتماعات فلسطينية
من جهتها، عَقدت اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا اجتماعاً استثنائياً في مركز «النور»، شاركت فيه كلّ القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية. وقد أكّد المجتمعون «الرفض المطلق لهذا الجدار الذي يسيء إلى العلاقات التاريخية وإلى مسيرة النضال المشتركة بين الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني»، لافتين إلى أنّ «الفلسطينيين في لبنان ينظرون إلى الجيش اللبناني على أنّه جيش وطني داعم لقضية فلسطين وللشعب الفلسطيني».
وطالبوا الدولة اللبنانية بوقفِ هذا الجدار فوراً «وعدم النظرة الأمنية للوجود الفلسطيني في لبنان، إنّما التعاطي من منطلق أنّنا أصحاب قضية وحقوق لا بدّ من العمل على إقرارها».
وفي السياق، قال عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية اللواء صلاح اليوسف لـ«الجمهورية»، إنّ «الشعب الفلسطيني ضيف في لبنان حتى العودة، ونحن تحت إمرة الشرعية اللبنانية، لكنّنا تناقشنا في إقامة أبراج حول المخيّم وتمكّنا من إبعاد تأثيراتها عن المنازل السكنية، إلّا أنّنا لم نَعلم ببناء جدار على طول مسار المخيّم، وسيكون ذلك بلا شكّ سبباً للتضييق على سكّان المخيّم وقطعِ الهواء عنهم».
وطالبَ بـ«فتح حوار بين الدولة اللبنانية والقيادة الفلسطينية لمنع تمرير أيّ فتنة تُحاك للإيقاع بين المخيّم والجوار اللبناني، ونحن كلجنة أمنية ننسّق مع مخابرات الجيش بأعلى درجات التنسيق، ولا حاجة لهذا الجدار طالما إنّ الجيش هو عنصر استقرار لأمن مخيّماتنا»، متمنّياً على «الدولة اللبنانية والجيش إعادة النظر في دراسة بناء الجدار لكي لا يؤدّي إلى ضغط على الشعب الفلسطيني ويولّد احتقاناً يستغلّه البعض لمآرب شخصية».
بدوره، اتّصل ممثّل حركة «حماس» في لبنان علي بركة، بالقيادات الصيداوية، شاكراً لها موقفَها الرافض بناءَ الجدار»، مؤكّداً «حرصَ حركة «حماس» والشعب الفلسطيني على السِلم الأهلي في لبنان وعلى دعم وحدة لبنان وأمنه واستقراره وعلى ضرورة تعزيز العلاقات الأخوية اللبنانية – الفلسطينية». ودعا إلى «حوار فلسطيني – لبناني شامل حول مجمل الوضع الفلسطيني بكلّ جوانبه السياسية والإنسانية والاجتماعية والقانونية والأمنية».
كما زار بركة نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان بسّام حمود، وعرض معه لتداعيات قرار بناء الجدار.
رفضٌ صيداوي
وفي إطار المواقف الصيداوية، رفضَ مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان «الجدار الفاصل الذي يحوّل المخيّم سجناً كبيراً للأخوة الفلسطينيين ليُنتجَ عنه مزيداً من مشاعر الحقد والكراهية والتمييز عندهم، الذي لا ندري كيف يترجَم فيما بعد».
وطالب «العهد الجديد بفتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية الفلسطينية، والتعامل مع المخيّمات ليس على أساس أمني فقط، بل إنّ الناس الذين يعيشون في المخيمات لهم كرامتهم الوطنية في حقّ العودة، وكرامتهم الإنسانية في العيش بالحد الأدنى من كرامة الحياة».
ودعا إلى «معالجة العوامل التي قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع داخل المخيّم، ومنها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من ضرورات الحياة».
وفيما وجّهت اللجان الشعبية في المخيّم رسالة إلى أهالي صيدا تطالبهم المساندة لوقف بناء الجدار، رأى الدكتور عبد الرحمن البزري أنّ «المعالجة الأمنية للملف الفلسطيني من دون مقاربة اقتصادية وسياسية ستأتي بنتائج معكوسة على الأرض والسِلم الأهلي في لبنان وفي المناطق المحيطة بالمخيّمات»، مثمناً الدور الذي يلعبه الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية والتنسيق المشترك بينهم وبين اللجان الأمنية والسياسية الفلسطينية.
بدوره، تلقّى الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد اتّصالات من المسؤولين الفلسطينيين تأييداً لموقفه الرافض إقامة الجدار.