من المؤشرات السلبية حول الملف الحكومي تلك المساجلة العنيفة التي سجلت بالأمس بين “التيار الوطني الحر” والأمين العام لـ”تيار المستقبل” أحمد الحريري. سقف عال ومتوتر من الخطاب بين الفريقين يؤشر إلى أن الاجواء لا تزال ملبدة بين رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري ورئيس “الوطني الحر” جبران باسيل. وبينهما يصول ويجول المرشح لرئاسة الحكومة سمير الخطيب الذي لا تزال المفاوضات حول ترشيحه مستمرة ليكون اسمه الأكثر صموداً مقارنة مع المرشحين الآخرين.
وعلى الرغم من المشاورات الناشطة خلف الكواليس بين الجهات الأساسية المعنية بتشكيل الحكومة، إلا أن لا احتمال قريباً لتشكيل الحكومة. ما عزز التوقعات بأن نكون أمام أشهر من الإنتظار قد يطول أمدها.
يتواصل الرئيس الحريري مع المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الحاج حسين الخليل ومع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، بشكل يومي، في المقابل يتواصل الخطيب مع الخليلين ومع باسيل والحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري. انما لا تقدم ايجابياً يمكن الركون إليه بعد.
وكأن في الأمر قطبة مخفية أو عاملاً ما غير معلن يؤخر التكليف وسط تقاذف مسؤولية التعطيل بين الحريري والفريق الآخر. أمران محيّران بالفعل، إصرار “حزب الله” على الحريري أو من يمثله، من دون الرضوخ لشروطه في التأليف، وإصرار الحريري على ترؤس الحكومة من دون الإلتزام بشروط الآخرين. تتعدد أسباب الخلاف والنتيجة أن لا تكليف قبل التوافق على التشكيل. ولا استشارات قبل الاتفاق على الرئيس المكلف. دوامة يربطها البعض بالعوامل الخارجية التي ربما كانت المعرقل لغاية الساعة ربطاً بما نشهده من صراعات دامية في المنطقة من العراق إلى إيران فلبنان.
ثمة من يقول إن النقطة المتعلقة بالموقف الأميركي حسمت، ذلك أن الاميركي كما الفرنسي والبريطاني لا يمانع في تشكيل حكومة تكنوسياسية يتمثل فيها “حزب الله”، غير أن نقطة الخلاف الجوهرية، بحسبه، تتركز بين رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل من جهة، والحريري من الجهة المقابلة. لا يزال “التيار” متموضعاً خلف شرطه القديم إما باسيل والحريري معاً داخل الحكومة أو معاً خارجها.
يؤيد “حزب الله” وجود باسيل في الحكومة، لكن إذا رُفض فيمكن لـ”الحزب” أن يشارك من جهته. وليس تمسك “حزب الله” بباسيل أخف وطأة من تمسكه بالحريري ولو اختلفت الأسباب. يتمسك بالأول جراء مواقفه المؤيدة لـ”الحزب”، في حين يرتبط التمسك بالثاني بضرورة وجوده كشريك في تحمل المسؤولية في ظل الواقع الاقتصادي الذي يعاني منه البلد. يعرف “حزب الله” ضمناً أن اختيار أي رئيس حكومة من دون مباركة الحريري، يعني عودته على حصان أبيض كمنقذ بعد فشل الآخرين في المعالجة المالية.
لا يزال لدى “حزب الله” قناعة ضمنية أن الحريري يناور في الموضوع الحكومي ويريد رئاسة الحكومة لنفسه رغم كل ما يقوله والدعم المبدئي الذي يبديه للأسماء المرشحة، بدليل انه لم يبادر إلى إصدار بيان ولو من سطرين لدعم ترشيح غيره. فكيف إذا كان المطلوب منه تلاوة الموافقة على المرشح من دار الفتوى.
عقبة ثانية تفصح عنها مشاورات التأليف مع البديل وتتمحور حول توزيع الحقائب الوزارية، عرّابها باسيل الذي يطالب بثلاث حقائب وزارية، من بينها الطاقة تتولاها الوزيرة الحالية ندى البستاني.
لكن مصادر مواكبة تجزم أن الخلاف على الحصص وتوزيع الوزارات ليس أصل المشكلة المتعلقة أولاً وأخيراً في غياب موقف دولي واضح من موضوع الحكومة، يراه الحريري ملحاً لترؤس الحكومة الجديدة. أزمة مرشحة للتفاقم سياسياً واقتصادياً والغلبة بين الفريقين لمن يصرخ أولاً، أللهم إلا إذا حصل الخرق المرجو نتيجة بعض اللقاءات التي كانت مقررة ليل أمس والتي لو حصل ونجحت لتجاوز الخطيب كبرى خطواته باتجاه بر أمان التكليف.