IMLebanon

استشارات ملزمة للنواب وليس لغيرهم

 

 

في كتابه “Jacques et son maître, hommage à Denis Diderot”، يقول ميلان كونديرا إن “أسوأ الفظائع يمكن تبريرها انطلاقاً من المشاعر الوطنية الأنبل، وبفخر يرتكب الانسان البشاعات متذرعاً باسم الحب المقدس للوطن”، وذلك في سياق فهمه لعبارة ضابط من الاتحاد السوفياتي يعزو احتلال براغ الى أن السوفيات يحبون تشيكوسلوفاكيا السابقة.

 

ولعل “أسوأ الفظائع” التي ينطبق عليها قول كونديرا هذا، نعيشها اليوم في لبنان مع من تبنى فرض تشكيل حكومة على قياس رغبات العهد الذي هدد وتوعد من يحاول طيّ ذراعه، رافضاً الالتفات إلى ثورة دفعت اللبنانيين إلى الشارع منذ نحو شهرين، ومصراً على تعيين رئيس حكومة يبصم بالعشرة على التشكيلة الوزارية التي لا ناقة له ولا جمل فيها، إذ يكفيه أنه سيحظى بمجد لقب “دولة الرئيس” تزين سيرته الذاتية.

 

لكن الأخطر في الموضوع، لا يقتصر على مصادرة صلاحيات الرئاسة الثالثة المولجة التشكيل بموجب الدستور، لكن بمصادرة إرادة الشعب اللبناني برمته، من خلال إلغاء دور ممثلي هذا الشعب في البرلمان الذين تم استدعاؤهم الاثنين المقبل إلى تطبيق التعليمات. والحجة الحرص على المصلحة العامة وحماية الوطن المهدد بالانهيار “وحب اللبنانيين”، كما يرد في محاولات تبرير عملية انتهاك الدستور.

 

بالتالي، فإن مسخرة تعيين موعد “الاستشارات النيابية الملزمة” لغالبية النواب الذين تبين أنهم لا يمثلون حتى أنفسهم، وتحديداً أولئك الذين وافقوا مسبقاً على الانصياع الأعمى لمن ضمهم إلى لوائحه، لن تعكس إلا ما يريده صاحب التسوية، و”استشارتهم” لا ترد ثمن الوقود الذي تحرقه سياراتهم ليصلوا ويدخلوا ويبصموا ويخرجوا ويصرح أحدهم بما هو متوقع منه.

 

فما حصل منذ استقالة الرئيس سعد الحريري يترجم حلاً لمجلس النواب وإلغاءً لدوره ونسف وظيفة من دخلوه عبر صناديق الاقتراع. بالتالي فكل ما تقوم به أكثرية النواب هو تطبيق لما يريده مهندس العهد والتسوية ليبقى محافظاً على مصادرته قرار سيادة لبنان. بالتالي لا يجد ما يضيره عندما يسخِّر كل مؤسسات الدولة وكأنها ممتلكات خاصة، وله الحق الحصري بالتصرف بها وفق مشيئته.

 

من هنا، تصبح مطالبة اللبنانيين الثائرين بانتخابات نيابية مبكرة أكثر من ملزمة، وموازية للمطالبة بإنقاذ لبنان من مواصلة إنهياره عبر حكومة مستقلين عن الذين يرتكبون “البشاعات والفظائع” باسم الحب والمشاعر التي وصفها كونديرا، وذلك بعدما تبين ان ما سيجري في قصر بعبدا، يوم الاثنين لا يحمل أي إلزام لرئيس الجمهورية ولكنه يلزِم النواب بتسمية من تم التوافق عليه ليستكمل ما تم التخطيط له. ونقطة على السطر.