IMLebanon

مسؤولون عاجزون

 

تُدرك الأطراف السياسية في لبنان، بعد كلّ التطورات الحاصلة، أين هو مكمن الخلل في هذا البلد، ولكن البعض يشيح بنظره عنه، أو لا يراه بالرغم من علمه بوجوده، أو يحاول التعايش معه علّه يجني منه ثماراً سياسية وغير سياسية.

هذا الواقع لم يوصل لبنان سوى إلى الهاوية التي نحن فيها. فلا تخلّي الرئيس رفيق الحريري عن الملف السياسي والأمني منع اغتياله، ولا رفض المواجهة مع قوى “8آذار” منع الإغتيالات في صفوف 14 آذار، ولا التسويات على رئاسة الجمهورية وغيرها منعت الإستمرار في الهيمنة ومصادرة القرار الوطني، ولا الوضع الإقتصادي والمعيشي المتدهور أوصل إلى تنازلات لصالح الوطن والمواطن، ولا المبادرة الفرنسية والوعود بالمساعدات الخارجية غيّرت في طريقة التعاطي مع الوضع الداخلي ومع المجتمعين العربي والدولي. بل على العكس، فقد زاد أصحاب وضع اليد على البلد من تعنّتهم وتصميمهم على أخذ البلد أكثر فأكثر نحو التشرذم والضياع.

كلّ هذه السلبية لن تغيّرها تسمية رئيس جديد لتشكيل الحكومة، وتحديداً الرئيس سعد الحريري، لأنّ الذين يختطفون البلد لا مشكلة جوهرية لديهم بالأسماء، ولو كانوا أحياناً يرفضون هذا أو ذاك، بل ان مشكلتهم الأساسية تكمن في أنّ أيّ تحسّن في أوضاع البلد يستلزم تنازلات من جانبهم، وهم ليسوا على استعداد للإقدام عليها مع الرئيس الحريري أو مع غيره لأنّها تشكّل بالنسبة لهم نوعاً من التراجع أو الهزيمة، حتّى ولو كانت سبيلاً لإنقاذ ما تبقّى، فيكابرون ويهدّدون ويرفعون سقف شعاراتهم الفارغة، يثيرون بها حفيظة أنصارهم من خلال شيطنة أي خطوات إصلاحية وأي محاولة من الدولة لاستعادة قرارها، ووضعها في خانة التماهي مع مِحور “الإستسلام والتطبيع المُمتدّ من تلّ أبيب إلى واشنطن مروراً بالخليج”.

لهذه الأسباب، لن يستطيع الرئيس الحريري ولا غيره أن يأخذ البلد في اتّجاه الإستقرار والسلام والإزدهار. فلبنان بالنسبة لأصحاب الحلّ والربط، هو ساحة لقتال المِحور الأميركي عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً، وهو البوابة الوحيدة لتحرير فلسطين، وهذا الأمر بالنسبة لهؤلاء، أو على الأقلّ بالنسبة لأنصارهم، واجب يجب أن يتحقّق. وبذلك يفترض بلبنان أن يبقى ساحة حرب تتمتّع باقتصاد حرب وبمعيشة تجسّدها حال الحرب، حيث لا رفاهية ولا رخاء ولا فرح، بل استنفار دائم وتعبئة مستمرّة واستعداد للقتال في كلّ لحظة.

وبانتظار أن يتغيّر هذا الواقع، وهو تغيير لن يحصل إن لم يدرك بعض من في الداخل حقيقته ويعمل لتغييره، سيبقى لبنان على الحال التي هو فيها، وسيبقى من هم في سدّة المسؤولية، مسؤولين بالتسمية وعاجزين بالفعل.