يعيش اللبنانيّون بإيقاع الميكروثانية، بالأمس انطلقت صباحاً مشاورات استمزاج آراء في القصر الجمهوري للتوصّل إلى خلاصة ما تنقذ الحكومة وتسوية فشلت في تطبيق سياسة «النأي بالنّفس» فعلاً لا حبراً على ورق، وبالأمس أيضاً أعلن الرئيس سعد الحريري مساءً في مقابلة مع قناة CNews الفرنسية، أنّه «سيستقيل إذا لم يقبل حزب الله تغيير الوضع الراهن، وإظهار الحياد في الصراعات الإقليمية ولا يتدخل خارجياً، لافتاً الى أنّ إيران سبب تدخل حزب الله في أنحاء المنطقة».
يُدرك اللبنانيّون أنّ حزب الله لن يغيّر سلوكه ولا أجندته الإيرانيّة وأنّه سيستخدم أسلوب «التقيّة» المعتاد لتمرير مخاوفه من عقوبات حصار آتٍ أو ضربة كبرى من الدول المتحالفة ضدّ الإرهاب والتي التقت في الرياض يوم الأحد الماضي لتكرّس محاربتها للإرهاب، وحزب الله في رأس هذه اللائحة بعد القضاء على داعش بشكل شبه كامل.
حزب الله، حزب إرهابي، سواءً اعترف بعض السيّاسيّون بهذه الحقيقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو أنكروها من ضمن سياسة «النّعامة» ودفن الرأس في الرّمل، كارثة أن يختار المسؤولون في الدّولة سياسة التواطؤ على لبنان وشعبه وتوهّموا أن بإمكانهم التحايل على المأزق الكبير الذي يواجهه لبنان بسبب قرار حزب الله الاختباء في الحكومة بعد 14 شباط العام 2005 خوفاً من القرار 1559، وهو مستمرّ في الاختباء في الحكومات المتعاقبة بل فرض تشكيل إحداها منقلباً على النتائج التي أفرزتها انتخابات العام 2009، وأي توافق أو اتفاق معه هو ليس أكثر من مناورة الاختباء في خيال إصبع لن يقودنا إلا إلى مزيد من التأزّم!
ثمّة ما هو أكثر تعبيراً من المثل الشعبي الشائع «مين جرّب المجرَّب كان عقلو مخرّب»، لأنّ «التّوك» ليس في المجَرَّب، بل في من يقرّر إعادة «تجريبه» من جديد، وما هو أكثر صدقاً وحكمة وتحذيراً ما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»، فكيف بمن لُدغ مرّات عدّة من 8 آذار العام 2005، إلى طاولة الحوار في آذار العام 2006 إلى محاولة تطيير الحكومة على مدى عام ونصف، ثم غزوة 7 أيار العام 2008، ثم عرض عضلات القمصان السود وتركيب حكومة حزب الله ذات اللون الواحد بطربوش سُنّي هو نجيب ميقاتي، وكلّ ما تلا هذه «اللّدغات» السامّة المتكرّرة، فأيّ عاقل يُصدّق «تقية» حزب الله من جديد؟!
احترموا عقولنا، على الأقلّ حزب الله جاهر بمصدر ماله وأكله وشربه وسلاحه ورواتبه الإيرانيّة المصدر، فأي تسويّة يجري البحث عنها فيما مسلّمات حزب الله لا تزال هي نفسها في قرار الحرب والسّلم الذي بيد الوليّ الفقيه وهو القائد العام والأعلى، وحزب الله ذهب إلى جميع الأماكن التي ذهب إليها بأمر من المرشد علي الخامنئي، المضحك ـ المبكي في الحديث عن تسوية مع حزب الله، أن الجميع يعرف أنّه لن يلتزم بها وأنّه إن صمت أمينه العام «تقيّة» عن التباهي بانتصارات حزبه الإلهيّة من سوريا إلى العراق إلى اليمن إلى حيث ذهب أو سيذهب، فإن هذا لا يعني أنّه سيغيّر شيئاً في أجندة إيران للمنطقة وللبنان أيضاً!
برأينا المتواضع، وكمواطنة لبنانيّة لا تعنيها لا الأجندات الإيرانيّة ولا السعوديّة ولا الأميركيّة ولا أي أجندة أخرى، أتمنى مئة مرّة أن ننتقل إلى حكومة تصريف أعمال وتكليف بلا تأليف، مع قناعتي الكاملة بأنّ انتخابات العام 2018 لن تغيّر قيد أنملة في الحال السياسيّة القائمة مهما كانت نتائج هذه الانتخابات، ومن يريد أن يعتبر فلينظر إلى نتائج انتخابات العام 2009 وكيف سقطت نتائجها ليلة صدورها!