لم يتردد النائب جهاد الصمد في وصف حكومة حسّان دياب، بحكومة “المستشارين المقنّعة”. قالها بالفم الملآن: سأحجب الثقة عن حكومة “محاصصة بين قوى سياسية مسيطرة على القرار السياسي”.
كان يُنتظر أن تأتي سهام الاعتراض من الخصوم، وإذ بها تُطلق من ذوي القربى السياسية. يفترض بحكومة مدعومة من محور واحد هو محور الثامن من آذار، أنّها متكئة على “عكاز” حلفائها السنّة والذين يعبّر عنهم “اللقاء التشاوري” الذي علّق “حزب الله” تأليف حكومة سعد الحريري الثانية، في سبيل تأمين تمثيل “اللقاء”، فكان حسن مراد الوزير السنيّ السادس، وهو الذي سحب الملعقة من حلق جواد عدرا لرفضه التماثل مع خيار “المجموعة السداسية” وتبني مطالبها على طاولة مجلس الوزراء.
هكذا، قرّر الصمد تفجير أحدى ركائز “السيبة” التي تقف عليها الحكومة في طريق بحثها عن أغلبية نيابية تمنحها الثقة وتسمح لها بالانطلاق في “مهمتها المستحيلة”. صحيح أنّ لقوى الثامن من آذار مجتمعة أغلبية نيابية، لكن البركان الشعبي الذي فجّرته انتفاضة 17 تشرين الأول، لم يعف هذا المحور من شظايا كثيرة طالت بنيته التحالفية.
وبعدما قرر المحور الآخر، أي ثلاثي “تيار المستقبل”- “الحزب التقدمي الاشتراكي”- “القوات اللبنانية” المشاركة في جلسة الثقة تأميناً لميثاقيتها، ولكن من دون أن يمنح تأييده للحكومة، صار لزاماً على القوى الداعمة للحكومة تأمين أغلبية الحضور والتي قد تحتاج أكثر من الستين صوتاً خصوصاً إذا ما قرر معظم النواب المشاركة في الجلسة.
وبالتالي، صار لا بدّ من رفع منسوب الجهوزية حتى درجاتها القصوى تأميناً لهذه الغالبية ومنعاً لوقوع مفاجأة غير متوقعة. ولذا، سارع أركان هذا الفريق إلى لملمة شتات البيت الداخلي لرأب التصدعات الحاصلة على أكثر من مستوى، ومنها ما يتصل بـ”اللقاء التشاوري”.
يقول أحد مكونات هذا “اللقاء” إنّ الخلاف مع النائب الصمد لا يفسد في الودّ قضية، فهو أصلاً من ركائز التجمع النيابي وأحد أبرز محركاته الفاعلة، وكان له دور بارز على أكثر من صعيد وخصوصاً في ملف الاتصالات، وهو أصلاً لم يغادر “اللقاء” أو يطلّقه وإنما كانت له وجهة نظر مختلفة ازاء حيثيات التأليف. ولذا كان من الطبيعي العمل على تسوية الخلاف الذي وقع على أثر تأليف الحكومة، وهو خلاف موضعي ليس استراتيجي الطابع أو جوهرياً.
وفق المعلومات، فإنّه كانت للنائب الشمالي وجهة نظر متمايزة عن وجهة نظر زملائه، حيث كان يعتبر أنّ مظلة “اللقاء التشاوري” ولو أنّها محدودة مقارنة بمظلة “تيار المستقبل”، لكنها بالنتيجة قد تكلفه نقمة في الشارع اذا ما فشلت الحكومة في مهامها خصوصاً وأنّ الرأي العام لا يزال على ضفّة الاحتجاج والاعتراض على هذه الحكومة.
ولذا كان يفترض أن يكون تمثيل “اللقاء” في الحكومة أكثر ثقلاً، وهو يستحق أن يكون ممثلاً بوزيرين اثنين، لا بوزير واحد كما حصل. من هنا وقع الخلاف مع رفاقه في التجمع النيابي. ويتردد أيضاً أنّ الصمد، ولو أنه لم يفاتح زملاءه بهذا الأمر، لكنه كان يميل الى تسمية عبد المنعم يوسف وزيراً في هذه الحكومة، إلا أنه لم يجد من يجاريه في هذا الطرح، واكتفى “اللقاء” بأن يكون طلال حواط الوديعة اليتيمة له في الحكومة، الأمر الذي دفع الصمد إلى رفع سقف اعتراضه.
ومع ذلك، يعمل رفاق الصمد على تدوير زوايا الخلاف الداخلي من خلال إعادة التواصل معه لإقناعه بصيغة ما وسطية تحول دون حجبه الثقة عن الحكومة، وذلك قبيل دخول النواب قاعة البرلمان للاستماع إلى رئيس الحكومة تالياً بيانه الوزاري.
حتى الآن، لا يبدو أنّ هذه المحاولات قد أثمرت نتائج جيدة، اذ يؤكد الصمد لـ”نداء الوطن” أنّه لم يعتد التراجع عن موقفه، وهو انطلاقاً من تصالحه مع نفسه، لا يزال مصراً على حجب الثقة عن الحكومة، من دون أن يعني ذلك أنّه يريد لهذه الحكومة أن تسقط أو أن تفشل في أدائها كونها القشة التي يتمسك بها اللبنانيون لإنقاذهم من غرق محتّم.
ولم ينفِ الصمد رغبته بأن يكون “للقاء التشاوري” وزيران ممثلان في الحكومة، كون “اللقاء” هو ورقة التوت السنية التي تحمي الحكومة من العراء، ولذا خرج من الجلسة مع رئيس الحكومة خلال الاستشارات النيابية، على خلاف مع زملائه، مؤكداً أنّه سيكشف كل ملابسات موقفه من الحكومة، التي بينت ظروف تأليفها أنّها نسخة مقنعة عن سابقاتها، خلال جلسة الثقة.
لكنه في المقابل، نفى أن يكون تطرّق إلى اسم الوزير الثاني مشيراً إلى أنّ المشاورات انقطعت مع “رفاقه” ولم يقترح أي اسم اضافي للتوزير.
وعن مصير “اللقاء التشاوري” يتساءل: “لا أدري اذا كانت هناك ثمة حاجة لاستمراريته بعد الآن؟!”