وضع سفراء “اللجنة الخماسية” نقاطاً في بيانهم الذي صدر أخيراً إثر اجتماعهم الأربعاء المنصرم في السفارة الأميركية في عوكر، أبرزها تحديد مهلة انتخاب رئيس الجمهورية بحلول نهاية أيّار الجاري، بعد ذهاب الكتل النيابية الى مشاورات محدودة النطاق والمدّة لتحديد اسم يتفق عليه على نطاق واسع، أو لائحة مصغّرة للمرشحين للرئاسة. ومن ثمّ الذهاب الى جلسة انتخاب مفتوحة مع عدد من الجولات وصولاً الى انتخاب الرئيس الجديد. كما شدّد البيان على ضرورة انتخاب الرئيس بهدف توحيد البلاد وتنفيذ الإصلاحات، ووجود لبنان على طاولة المفاوضات الإقليمية، وكذلك إبرام إتفاق ديبلوماسي مستقبلي بشأن الحدود الجنوبية.
مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ سفراء “الخماسية” تبنّوا في بيانهم الأخير مبادرة كتلة “الاعتدال الوطني” التي تواصل عملها من دون ضوضاء، رغم تراجعه قليلاً في الفترة الأخيرة، بعد أن لاحظ نوّابها أنّ الحماس قدّ خفّ قليلاً بسبب العائقين اللذين اصطدمت بهما المبادرة الا وهما: مَن يدعو الى اللقاء التشاوري، ومَن يرأس هذا اللقاء؟ أمّا الرافضون لهذين الأمرين، فعزوا ذلك الى خشيتهم من أن يجري تكريسهما كعرف يُعتمد مستقبلاً قبل كلّ انتخاب لرئيس الجمهورية، سيما أنّ الأعراف في لبنان، تُصبح في أحيان كثيرة بأهمية الدستور.
ولم يخترع سفراء “الخماسية” شيئاً جديداً، على ما أضافت، بل حدّدوا الموقف الموحّد لدولهم من مسألة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، وربطوه بالتسوية الإقليمية التي باتت على قاب قوسين. وهذا الأمر يحمل تحذيراً مبطّناً للكتل النيابية، سبق لها وأن سمعته على لسان الموفدين الغربيين، بأنّ “لبنان لن يكون على طاولة المفاوضات الإقليمية من دون رئيس للجمهورية”. ومن هنا ضرورة انتخاب هذا الرئيس في أسرع وقت ممكن، لوجود لبنان بشكل فعّال في أي تسوية مقبلة. فضلاً عن توحيده البلاد وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وإبرام أي إتفاق مستقبلي بشأن الحدود البريّة الجنوبية.
غير أنّ المصادر نفسها تحدّثت لـ “الديار” عن أنّ الضغوطات الخارجية على الكتل النيابية لن تأتي بشكل مباشر على كلّ منها، إنّما، على غرار ما فعل سفراء “الخماسية” من خلال دقّ ناقوس “التسوية الإقليمية”، وضرورة أن يكون لبنان جاهزاً لها، من خلال انتخاب رئيس الجمهورية خلال أيّار الجاري. فمن شأن هذا الأمر أن يُذلّل العقبات، وخصوصاً أنّ اجتماع مجلس النوّاب للتشاور لم يعد أمراً مستحيلاً، أو صعباً. وخير دليل اجتماع النوّاب الأخير لمناقشة ملف النزوح وهبة المليار يورو الأوروبية. وهذا يعني أنّه عندما يُصبح الأمر متعلّقاً بلبنان ككلّ، تتداعى الكتل النيابية لحلّ الموضوع في البرلمان.
أمّا الكرة فباتت في ملعب نوّاب “الإعتدال”، على ما تابعت، من خلال تفعيل لمبادرتهم لا سيما بعد موافقة الدول المعنية بالملف اللبناني على بنودها العشر. وتقول أوساطهم انّهم لم يوقفوا العمل في مبادرتهم، ويسعون حالياً الى إيجاد مخرج ما يرضي جميع الأطراف في ما يتعلّق بالدعوة الى التشاور وبمن سيرأس اللقاء. وقد يتمّ اقتراح أنّ تدعو الكتلة الى هذا الاجتماع، ما دام لم يحصل التوافق في وقت سابق على أن توجّه الأمانة العامّة للبرلمان الدعوة الى الكتل النيابية. على أن يتولّى أحد نوّاب “الاعتدال” أو أكثر، أو أحد من هيئة مكتب النوّاب، إدارة الجلسة وليس ترؤسها.. إلّا أن الأمر لم يُحسم بعد، نظراً لحساسيته بالنسبة الى بعض الكتل المعنية.
والمهم، وفق المصادر السياسية أنّ بيان سفراء “الخماسية”، قد أعاد تحريك الملف الرئاسي الذي يلفّه الجمود منذ فترة، وسيوضع على السكّة الصحيحة بعد اللقاء المرتقب للسفراء مع رئيس مجلس النوّاب نبيه بريّ الذي يجدون أنّ مفتاح الإنتخاب بيده بنسبة 80 %. كما أنّ الأمور يمكن أن تكون مرشّحة للذهاب نحو الحلّ إذا ما تسارعت وتيرة التسوية الإقليمية. علماً بأنّ ما تحدّث عنه بيان سفراء “الخماسية” عن مرشّح يتمّ التوافق عليه على نطاق واسع، لم يحصل بعد. في حين أنّ الحديث عن “قائمة قصيرة من المرشحين للرئاسة” يفتح الباب على “الخيار الثالث”، وهذا الأخير يضمّ مجموعة من أسماء المرشحين لا بدّ من حصرها في اسمين أو ثلاثة ليس أكثر.
وتتساءل المصادر ذاتها كيف ستتمكّن المشاورات المحدودة النطاق والمدّة، والتي جرى تحديدها سابقاً في مبادرة “الاعتدال” بيوم واحد، وفي مبادرة برّي التي سبقتها بسبعة أيام، من الخروج بتوافق الكتل النيابية على اسم رئيس الجمهورية، أو على أكثر من اسم يتم الذهاب بهم الى مجلس النوّاب للمنافسة، بعد أن عجزت عن التوصّل الى مثل هذا الأمر طوال فترة الفراغ الرئاسي المستمر منذ سنة و7 أشهر؟ وهل سيقبل برّي من جهة أن يُعقد لقاء ما في مجلس النوّاب من دون ترؤسه له، و “حزب الله” من جهة ثانية حضور لقاء تشاوري لا يرأسه برّي؟! وما هي المخارج السحرية التي ستجدها كتلة “الاعتدال” لإرضاء جميع الأفرقاء، وإقناعهم بضرورة الذهاب الى مجلس النوّاب للتشاور ومن ثمّ انتخاب الرئيس في غضون أسبوعين؟! فهل سيتمّ تذليل العقبات بسحر ساحر، أم بعد وصول “كلمة السرّ” من الخارج الى جميع الكتل النيابية عن ضرورة أخذ بيان “الخماسية” على محمل الجديّة كونه “صيغ في الخارج”؟!