طبيعي أن يشهد موسم الإستشارات النيابية، بفصليه المُلزِمْ والإستئناسي، تركيزاً شخصانياً يتراوح بين تفضيل شخصية على أخرى في موضوع التكليف، ومطالبة بحصّة وحقائب في شقّ التأليف.
وفي المشهد الراهن دارت الإستشارات على النحو المذكور تقريباً. لم يَلقَ ترشيح الحريري منافسة، بل ممانعةً لم تَرتَقِ الى حدود الرفض وطرحِ اسمٍ آخر. الرفض جاء من بعض المشاركين في التحرّكات الإحتجاجية، وهم في كلّ حال ليسوا مُمَثّلين في مجلس النواب، أمّا النواب الذين يقتربون من هؤلاء فقد اكتفوا بعدم التسمية ولم يذهبوا في تبنّي موقف الإنتفاضة الشعبية الى حدّ طرح اسمٍ بديل. وهكذا، كُلِّف الحريري بإجماع “الموالين والمعترضين”، وهو ما لم يحصل في تجربة ترئيس حسّان دياب، ولا في تجربة تكليف مصطفى أديب.
لدى الإنتقال الى استشارات الرئيس المكلّف الإستئناسية، تتّضح أكثر اهتمامات الكتل النيابية. كلّها يبحث عن الحصّة، مباشرةً أو مواربةً. يتحدّث بعضها عن التزام بالإصلاح ليغطّي مطالبه الفئوية، فلا يبقى في اليد الا المشكلة نفسها التي قادت الى الإنهيار والإنفجار. وفي ذلك عودة الى نقطة الصفر… الى ما قبل استقالة الرئيس سعد الحريري قبل عام بالتمام والكمال.
كان يُفْتَرَض، بعد تجربة سنة من التأزّم السياسي والإقتصادي والمالي، ومسيرة من الإحتجاجات الشعبية التي هزّت أركان السلطة وعرّتهم، أن تتحوّل مناسبة الإستشارات بشقّيها، نوعاً من مؤتمر وطني مفتوح حول طبيعة الأزمة وسبل حلّها، وصولاً الى اختيار الحلول المناسبة وترجمتها في إطار ما ينصّ عليه الدستور، تكليفاً وتشكيلاً، لحكومة قادرة تضع هذه الحلول على سكّة التنفيذ.
الآن يقف الحريري أمام تحدّي تحقيق ما وعد به: تنفيذ ورقة الإصلاح، وإعادة إعمار ما دمّره إنفجار المرفأ بواسطة حكومة اختصاص من غير الحزبيين، كما أكّد أكثر من مرّة. وهذا التحدّي لمسه خلال استشاراته، فاللاعبون الكبار قالوها بوضوح: حكومة موسّعة تأخذ بالإعتبار مطالب الفرقاء إياهم… الذين يتحمّلون المسؤولية عن كل ما حلَّ بالبلد.