«طارت» أسعار المواد الغذائية والخدمات ذات الاستهلاك اليومي للعائلات. ففي وقت تعيش فيه البلاد أزمة صحية خطيرة، ينشط التجار والمحتكرون على خط أزمة المواد الاستهلاكية، ليزيدوا طين «الكورونا» بلة. أول من أمس، كشفت جمعية حماية المستهلك في تقريرها الجديد حول أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية عن الجانب الأسوأ من الأزمة، مشيرة إلى أن ارتفاع الأسعار لامس عتبة 58.43% وذلك خلال 5 أشهرٍ فقط، منها 13,17% حدثت خلال الفترة الأخيرة، بين الخامس عشر من شباط والحادي والثلاثين من آذار، الماضيين.
هذه النسبة «المحلّقة» من الزيادة دفعت بالجمعية إلى إطلاق صرخة باتجاه الحكومة، داعية إياها إلى وضع الأمر في سلم أولوياتها لتدارك الأمر قبل حصول الانهيار. وعلى رأس سلم تلك الأولويات، دعت الجمعية إلى أن يكون توجه الحكومة صوب دعم القطاعات الأساسية «من الحبوب إلى اللحوم إلى مشتقات الحليب والأدوية إلى المحروقات». والدعم هنا يستوجب «دعماً» آخر على خط وزارة الاقتصاد التي عليها «العمل على إعداد جدول لتحديد أسعار هذه السلع، أسوة بدولٍ عربية وأوروبية عدة»، كما «الإلغاء الفوري من قبل المجلس النيابي لكافة أشكال الاحتكار، ولا سيما القانون 34/1967 الذي أسس للاحتكارات التي تسيطر على الاقتصاد اللبناني، وإقرار قانون المنافسة».
وفي التفاصيل، أورد التقرير 145 صنفاً من المواد الغذائية، راوحت نسبة ارتفاع أسعار موادها بين 10.6% و27.17%، أن الخضار والفاكهة احتلتا «المراتب الأولى» في السجل، إذ بلغت نسبة ارتفاع أسعار الخضار 27.17% والفاكهة 20.13%. ويتخطى هذان الصنفان اليوم أسعار اللحوم (11%) التي كانت حتى وقتٍ سابق تحتل رأس القائمة. والسؤال هنا: لماذا «يطير» سعر هذين النوعين؟ الجواب يحيلنا إلى الأزمة التي يتسبّب فيها الدولار الذي أثّر على «إنتاجية» المزارعين لهذا العام، كما ضربت تأثيراته أيضاً ما تستورده البلاد من الخارج. في الشق الأول، لم يتمكن المزارعون من زراعة الكمية الكافية التي درجوا عليها خلال السنوات الماضية. ففي أحسن الأحوال «كيف ما كان نازلة المواسم 30% عن السنوات الماضية، وفي بعضها 50%»، يقول انطوان الحويك، رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين. هذا العجز سببه الدولار. وهذا ما يجمع على قوله المزارعون، والعجز هنا من ناحيتين «من ناحية المصارف التي لم تعُد تُسلّفُنا، أضف إلى أنها اليوم تلعب دور المصادر لأموالنا. أما من الناحية الأخرى، فتقف شركات المستلزمات الزراعية، التي لم تعد تعطي المزارع ما يحتاج إليه من بذور وأسمدة ومستلزمات، لا بالدين ولا بقرش واحد إلا الدولار الكاش»، يقول رئيس تجمع المزارعين والفلاحين، إبراهيم الترشيشي. هذا «الحظر» من جانب شركات المستلزمات الزراعية سببه «عدم قدرتهم على فتح الاعتمادات لشراء المعدات من الخارج، الأمر الذي أدى إلى نقص المواد المستوردة التي لم تعد تكفي حاجة المزارعين». على أن أزمة المزارعين والشركات هي نفسها: المصارف «التي حاصرتنا من جميع الجهات». لكل هذه الأسباب، خفّت إنتاجية المزارع اللبناني، ما جعل الباب مفتوحاً على المضاربات، حيث استغل التجار الوضع لرفع الأسعار. وما شجعهم على «التمادي» أيضاً هو أن الأصناف المستوردة، من بطاطا وبصل وثوم، هي الأخرى لا تكفي بسبب التهافت عليها. فعلى سبيل المثال، بلغ سعر «كيلو الثوم ما لا يقل عن 9 آلاف ليرة بسبب إقفال سوق الصين، وهو السوق الأساسي لهذا الصنف، وتحولت الأنظار إلى مصر، غير أن التهافت عليه رفع سعره»، يقول الترشيشي. أما بالنسبة إلى أصناف أخرى «كالباذنجان والبندورة والخيار»، فهي إجمالا «بتطلع بكميات قليلة في مثل هذه الأوقات»، وهو أمر آخر يسهم في رفع السعر. ولأن العرض والطلب يتحكمان في السعر، فعندما يخف العرض ويكثر الطلب ترتفع الأسعار. واليوم، هذا ما يحصل، وإن كان «هذا الواقع سيخف مبدئياً مع بدء الإنتاج اللبناني منتصف هذا الشهر».
إلى الآن، الواقع لا يبشّر بالخير. وما كشفته جمعية حماية المستهلك مستمر، أقلّه حتى بدء موسم «القطاف» المحلي. ولكن، أين وزارة الاقتصاد من كل ذلك؟ بالنسبة إلى الأخيرة، لا يزال «الحال على حاله»، بحسب البعض، إذ إن جلّ ما تفعله الوزارة هو تسجيل محاضر الضبط وتحويلها إلى القضاء. ولكن، هل هذا يكفي في ظل أزمتين قاسيتين؟