IMLebanon

إتصال من واشنطن: هل ستُجرى الإنتخابات؟

 

هل ستحصل الانتخابات النيابية في لبنان؟.. سؤال غريب طرِح قبل أيّام قليلة، والغرابة ليست فقط في مضمون السؤال، إنّما هي أيضاً من المصدر الذي انطلقَ منه، أي من واشنطن. وأمّا صاحب السؤال فهو شخصية لبنانية تشغل موقعاً وظيفياً فيها ومهمًّا في إحدى المؤسسات الأميركية الكبرى القريبة جداً من موقع القرار في الإدارة الأميركية.

هذه الشخصية، تواصلت هاتفياً من الولايات المتحدة مع شخصية لبنانية في باريس، تربطهما علاقة وثيقة.

الشخصية اللبنانية ظنّت بدايةً أنّ هدف صاحب السؤال، هو الاستفسار عن مصير الانتخابات، فردّ على سؤاله بما حرفيتُه: «أكيد ستجري الانتخابات، ولا شيء يمكن أن يمنع إجراءها، وجميع السياسيين اللبنانيين يلتقون على هذا التأكيد.. وقبل أيّام أقفل باب الترشيحات ودخل البلد في مرحلة إعداد اللوائح الانتخابية، والأمور تجري بشكل طبيعي».

لكنّ صاحب السؤال لم يعِر اهتماماً لِما قالته الشخصية اللبنانية، بل إنّه عقّبَ على ما قالته بسؤال جعلَ الشخصية اللبنانية تتيقّن من أنّ خلف سؤاله أمراً ما، حيث قال: .. وهل أنتَ متأكّد من ذلك؟

إرتابت الشخصية اللبنانية من هذا الكلام، فحاولت الاستفسار، لكنّها لم تتمكّن من انتزاع أيّ توضيح. حول هذا «الأمر ما»، أو ما إذا كان السؤال ملغوماً ويستبطن تفصيلات أبعد منه، أو معلوماتٍ ما تناهت إلى صاحب السؤال من بعض المستويات الاميركية. بل إنّ الشخصية اللبنانية ازدادت إرباكاً وحيرةً عندما قالت لصاحب السؤال: متى سنراك في لبنان؟ فأجاب: كنتُ سآتي لتمضيةِ عطلة الفصح ، لكنّني فكّرتُ وعدلتُ عن ذلك في الوقت الحاضر! وهنا انتهى الاتصال.

في تقييم هذا السؤال لبنانياً، ثمّة وجهات نظر متعدّدة:

الأولى، تستخفّ بالسؤال وتعتبره بلا أيّ معنى، وفاقداً لقيمته أمام الإجماع اللبناني والاقليمي والدولي على إتمام الانتخابات النيابية في موعدها. ومن دون أيّ تأخير.

الثانية، تجده جديراً بالتوقف عنده، إذ قد يكون مكمّلاً للأسئلة التي ما زالت تُطرَح في لبنان من قبَل شريحة واسعة من اللبنانيين حول مصير الانتخابات وتشكّك بإجرائها.

الثالثة، تجده باعثاً لحذرٍ جدّي، إذ ربّما يكون هذا السؤال وربّما التشكيك بإجراء الانتخابات متداوَلاً به بجدّية سواء في واشنطن أو في أيّ مِن العواصم الغربية.

الرابعة، تجده مبرّراً، في ظلّ الغموض الذي يسود كلَّ ساحات المنطقة المفتوحة أصلاً على شتّى الاحتمالات والمفاجآت والتطوّرات، بما فيها لبنان.
وجهة النظر الرابعة يتبنّاها أحد الخبراء في السياسة الاميركية، الذي يحدّد جملة شواهد باعثة على القلق، بحيث يصبح معها السؤال مشروعاً ليس فقط عن مصير الانتخابات في لبنان، بل عن مصير منطقة الشرق الأوسط بشكل عام:

– الأوّل، التغييرات المتتالية التي تشهدها الإدارة وآخرُها إخراج وزير الخارجية الاميركية ريكس تيلرسون بالإقالة المهينة، وتعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي آيه» مايك بومبيو بدلاً منه، وكذلك تعيين «السجانة» صاحبة سجلّ التعذيب في تايلاند جينا هاسبل على رأس الـ«سي أي ايه»، والتي تعكس توجّهاً جدّياً لإيكال زمام الأمور في الادارة الى «الصقور» في المعسكر الجمهوري الحاكم، مع ما قد يَعنيه ذلك من متغيّرات في السياسة الخارجية، ومع ما يعنيه ايضاً من خيارات جديدة من شأنها أن تقود إلى إضرام النار تحت الملفات الحساسة في العالم، وتأجيج المزيد من الحروب المشتعلة أصلاً… أو ربّما فتح جبهات جديدة عابرة للحدود والقارّات.

– الثاني، وضعُ الاتفاق النووي الإيراني على مقصلة الإعدام الاميركية، فقد كان تيلرسون من بين الأطراف المؤثّرة على دونالد ترامب للتريّث في تنفيذ شعار حملتِه الانتخابية المرتبطة بالانسحاب من «تسوية فيينا». إلّا أنّ وزير خارجيته الجديد قد يكون أكثرَ تناغماً مع الرئيس الأميركي، خصوصاً في ما يتعلق بهذا الملف بالذات، وتحديداً على أعتاب نهاية المهلة التي حدّدها ترامب لإعلان خيارهِ بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي بحلول شهر أيار المقبل.

ومعلوم هنا أنّ بومبيو يوصَف بأنه «عدوّ متهوّر» لـ«التسوية النووية»، لا بل إنه «معارض شرس» لإيران الدولة والنظام، وليس للاتفاق النووي فحسب، خصوصاً أنه يتحرّك تحت مظلّة اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة، ويشكّل الذراع الطولى لنائب الرئيس الاميركي مايك بنس، الذي يُعتبر الأكثر قرباً والأكثر ولاءً سياسياً وأيديولوجياً لإسرائيل.

من هنا، فإنّ الشهرين المقبلين سيكونان مفصليَّين في حسمِ شكلِ العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، والقرار الأميركي بشأن الاتفاق النووي، مع أنّ كلّ المؤشرات باتت تشي بعودة التماهي بين الوجهتين الأميركية والإسرائيلية تجاه « تسوية فيينا».

الثالث، إدخال الأزمة السورية في منعطفات خطيرة، عبر العقلية الحربية الجديدة، التي قد تحكم أو تتحكّم بالادارة الاميركية. حيث إنّ هذه العقلية التي أسّست وتؤسس لها التغيرات التي تشهدها الإدارة الأميركية لا بدّ من أن تنعكس بدورها على الملف الشديد الحساسية في السياسة الخارجية الأميركية، والمتمثّل في الحرب السورية. والتي يبدو أنّ معسكر الصقور الجديد متعطّش لعملٍ عسكري يعيد للولايات المتحدة ما يَعتبره «فرصة ضائعة» في الشرق الأوسط. كما لا بدّ من أن تنعكس، أو هي بدأت بالانعكاس على العلاقات الاميركية الروسية.

في رأي خبيرِ السياسة الأميركية، أنّ هيمنة «الصقور»، على وزارة الخارجية، بالتوجّه الحربي الجديد، يشي بأنه قد يدفع بالعلاقات مع روسيا إلى أقصى درجات التوتر، وحول العديد من الملفات الدولية، كما قد يدفع بالتوازي واشنطن الى محاولة تشديد الضغوط السياسية الدولية على روسيا، لوقفِ اندفاعتِها المرشّحة لمزيد من التصاعد مع بدءِ الولاية الرابعة للرئيس فلاديمير بوتين.

ويلفت الخبير إلى أنّ نُذر هذا التوتر في العلاقة الأميركية مع الروس، بدأت تطلّ من البوّابة الفرنسية أوّلاً بالتهديد المتواصل للرئيس الفرنسي بتوجيه ضربةٍ عسكرية لسوريا على خلفية الملف الكيميائي، وكذلك من البوابة البريطانية بالتصعيد الأميركي – البريطاني الأخير ضدّ روسيا، على خلفية الحادثة المثيرة للريبة بشأن «الهجوم الكيميائي، الذي استهدف الجاسوس الروسي المنشقّ سيرغي سكريبال في بريطانيا، ومسارعة واشنطن ولندن الى اتّهام موسكو والشروع في محاولة اتخّاذِ خطوات عدائية، لعزلِ روسيا دولياً.

كما بدأت نُذر هذا التوتّر تطلّ من البوّابة السورية، حيث بات جليّاً أنّ فترة التفاهمات التي شهدتها العلاقات الأميركية – الروسية حول الملف السوري قد باتت صفحةً من الماضي.

وبهذا السياق أيضاً، يقول الخبير، يمكن إدراج الكثير من التحرّكات الأميركية الأخيرة في الميدان السوري، بدءاً بتحريك الملف الكيميائي مجدداً، مروراً باستمالة الأتراك، من بوّابة منبج وعفرين، وصولاً إلى التشويش على كلّ آفاق الحلّ السياسي في سوريا، سواء تعلّقَ الأمر بجنيف أو بأستانا وسوتشي.

لكن ما ينبغي التوقّف عنده ملياً وقراءة أبعادِه بتعمّق،على ما يقول الخبير، هو أنّ التهديدات الأميركية بعمل عسكري مباشر ضدّ الجيش السوري، قابَلها تأكيد روسي بأنّ أيّ خطوة أميركية متهوّرة ستستتبع « الرد المباشر على مصادر النيران». ولقد سبقَ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن حذّر بشكل واضح، من أنّ أيّ اعتداء «باليستي» على روسيا أو حلفائها سيُعدّ بمثابة هجوم نووي، يَستدعي بالتالي الرد، باستخدام أحدثِ الأسلحة الاستراتيجية».

هذه اللوحة كما يرسمها الخبير، تشِي بمخاطر وتداعيات إنْ حصَل اشتعال في أيّ ملفّ، سواء الملف النووي وآثاره، والتهديد بعمل عسكري أميركي ضد سوريا، وما يُحكى عن تغطية أميركية لحرب إسرائيلية على سوريا. كلّ ذلك من شأنه أن يضَع المنطقة كلّها أمام أفق مجهول، وأمام حرب لا حدود لها، ومِن غير المنطقي في هذه الحالة أن يقالَ إنّ لبنان سيكون بمنأى عنها.